علاء حسن الساحة العراقية انشغلت خلال الأيام القليلة الماضية ، ربما لأخرى مقبلة بحوادث الاغتيال بالأسلحة المزودة بأجهزة كاتم الصوت ، والمفارقة الغريبة في الأمر أن السلاح الأخرس صاحب صراخ صاخب، سمع خارج محيط العاصمة بغداد ، وجعل الأجهزة الامنية تسنفر طاقاتها ،
ونشرت السيطرات للبحث عن منفذي الحوادث ، ولكن بلا جدوى ، فحتى الان لم يعلن اعتقال متورط بتنفيذ عملية اغتيال واحدة طالت مسؤولا او موظفا كبيرا في الحكومة .في فصل سابق من مسلسل "كاتم الصوت" أعلن رئيس اللجنة الامنية في محافظة بغداد منح رئيس الحكومة منتسبي رجال الجيش والشرطة مبالغ مالية "تكريما" لجهودهم في العثور على "الكاتم " وهذا النوع من التكريم لم يمنع من استمرار احداث المسلسل، فتجددت المخاوف من الشبح المرعب لان ظهوره غير محدد بزمان ومكان ، على الرغم من خضوع المدن وأحياء العاصمة لسيطرة العسكر.اللجنة الامنية في مجلس النواب أعلنت ان اجهزة الكاتم مصنعة محليا في ورش في أحياء صناعية تقع خارج العاصمة ، في حين قيل ان تلك الاجهزة تصل الى العراق من إحدى دول الجوار الداعمة للعملية السياسية ، وترتبط مع بغداد بعلاقات متينة ، وهذه الإشارة تشبه الحزورة التي تقول ما هو الشيء لونه اخضر وبطنه احمر وفيه حب ركي.سواء كان الكاتم مستوردا من دول الجوار او من بلدان خلف المحيطات اصبح حاجة مطلوبة في العراق فهناك من يحرص على اقتنائه ليصفي حساباته مع خصومه ، اما الإرهابيون فهم ليسوا بحاجة إلى كتم أصوات انفجار المفخخات والعبوات الناسفة، فشدة الصوت والعصف مطلوبة لديهم، نظرا لما تخلفه من أضرار مادية وبشرية تضاف الى سفك الدماء البريئة .في زقاق ضيق بحي قديم في بغداد اعتاد سكانه سماع صراخ امرأة في الاسبوع الواحد مرتين او أكثر، من دون ان تبدر من الاهالي اية ردود فعل ، لأنهم يعرفون مصدره ، تطلقه" سعودة الخرسة " للتعبير عن احتجاجها من سخرية الصغار فتطاردهم بصراخ يصل الى "ذاك الصوب" وترشقهم بالحجارة ، افتقد اهالي الحي سعودة الخرسة بعد موتها بصعقة كهربائية ، وعلى الرغم من رحيلها منذ اكثر من اربعين عاما أصبح صراخها مثلا متداولا في ذلك الحي .في زمن المرحومة "سعودة الخرسة" التي لم تذق طعم السعادة في حياتها ، كان السلاح بيد الدولة ، والخارجون على القانون وقتذاك يستخدمون الخناجر، وليس بينهم من يحمل المسدس إلا باستثناءات نادرة فحيازة حمله واستخدامه، تتطلب تراخيص رسمية صادرة عن جهات امنية وبشروط تعجيزية ومنها تقديم التعهد وإحضار اكثر من كفيل، وفي القرى والأرياف تخفف الإجراءات ويسمح بحمل البنادق، ويمنع أصحابها من حملها في مراكز الاقضية ، ويلزمون بإيداعها في مراكز الشرطة ، ويتسلمونها بعد مغادرتهم المدينة، وهذه التعليمات غير خاضعة للتسويف او المحاباة، وتشمل الجميع ، ولا فرق بين فلاح ، ومالك الأرض في تطبيق القانون. مجلس النواب لم يتوصل بعد الى تشريع مشروع قانون حصر الاسلحة لان التوافق بين رؤساء الكتل النيابية لم يتحقق بعد ، ولعل بتعرفهم على قصة "سعودة الخرسة " يدركون كيف كان حال العراق في زمن المرحومة .
نص ردن: كاتم "صراخ سعودة"
نشر في: 3 سبتمبر, 2012: 08:17 م