نجم واليمن الصعب مقارنة المكان ببقية أماكن بيع الكتب في العالم، لأن أقل ما يُقال عليه: إنه المكان الأسطورة؛ فحتى الآن كُتب عن مكتبة "شكسبير وشركاؤه" العديد من المقالات والكتب، بالإضافة للدراسات الأكاديمية وأطروحات الدكتوراه، بينما كرس لها همنغواي فصلاً خاصاً في روايته الخالدة "باريس، عيد بالحياة".
أما عزرا باوند وغترود شتاين وسكوت فيتزجرالد، فقد كانوا يدخلون عند سيلفيا بيج ويخرجون منها بانتظام. الأميركية سيلفيا بيج هي التي أسست المكتبة في عام 1919 في شارع "لا أديون". ربطتها آنذاك بجيمس جويس صداقة قوية. وكانت المرأة الشابة القادمة من نيوجرسي متأثرة بالكاتب الأيرلندي، لدرجة أنها قررت في عام 1922 نشر عمله الذي سيضع الصرح الأول للرواية الحديثة في القرن العشرين: "يوليسيس". بهذا الشكل خلدت المكتبة نفسها في معبد الأولمب للأدب. عندما احتل النازيون باريس وأغلقوا مكتبتها في عام 1941، بسبب رفض سيلفيا بيج بيع كتاب لضابط ألماني، بدا وكأن نهاية دكان الأدب قد دُمغت للأبد. لكن في عام 1951 افتتح جورج وايتمان، الذي هو الآخر أميركي، في شارع دي لا بوشيري، مكتبة تحمل اسم "لا ميسترال". سيلفيا بيج كانت أحد زبائنه الأوائل، والتي لم تتردد عن الموافقة، عندما اقترح عليها هذا تحويل اسم المكتبة إلى "شكسبير وشركاؤه".يضم المكان اليوم مكتبة وقسماً خاصاً بالكتب القديمة "أنتيكفاريات" وملجأً ليلياً للنوم، يصعب إطلاق كلمة "فندق" عليه، لأنه يشبه عنبر مجاني للنوم بين رفوف الكتب، لا غير. ولكي يُسمح بالنوم على أحد الأسرة الطارئة، على المرء أن يجتاز أولاً اختباراً عند جورج وايتمان، وأن يعمل هناك ساعتين إلى ثلاث ساعات، وأن يقرأ كتاباً يومياً. رغم أن واجب قراءة كتاب، أصبح في عداد الأساطير التي تروى عن المكتبة، كما يجيب بعض العاملين هناك. فقط العمل ما يزال الشرط القائم. المحل والنوافذ الخضراء يجب أن تُفتح في النهار، مثلما يجب أن توضع كل الصناديق التي تحوي الكتب التي قيمتها يورو واحد عند الباب لكي تُعرض هناك. العمل يوزعه صاحب المكتبة منذ الصباح على العاملين القليلين هناك، وعادة وهو ببيجامة النوم.في الطابق الثالث، الذي هو غرفة نوم صاحب المكتبة الخاصة، مسكن صغير بثلاث غرف ومطبخ ودولاب وحمام. هناك أيضاً حُشرت الكتب في كل سنتمتر؛ أما الحيطان القليلة الفارغة فقد ألصقت عليها قصاصات جرائد تحوي مقالات عن "شكسبير وشركاؤه"، وصور باهتة اللون. بالإضافة إلى ألبوم للصور كبير خلد فيه جورج أبطاله: همنغواي، جويس، ألن غينسبيرغ، هنري ميلير وطبعاً سيلفيا بيج. مباشرة إلى جانب الفراش، هناك ألبوم أكثر خصوصية: جورج وايتمان صاحب المكتبة مع ابنته، سيلفيا. الفتاة الشقراء الصغيرة على كتف الأب. في الصور كانت في سن الخامسة أو السادسة. اليوم هي في سن العشرين.رسمياً تفتح المكتبة أبوابها في وقت الظهر، لكن في الصيف يجد العاملون، أن الوقت لا يكفي. فمقدماً وقبل فتح الأبواب يتجمع الزبائن أمام المحل مبكراً، من مجاميع السياح. الأمر الذي يستدعي أن يتنازل بعض العاملين عن تناول فطورهم أو شرب القهوة في الطابق الثاني بعد الاستيقاظ مباشرة. علاوة على ذلك يجب تنظيم الكتب من جديد. طبعاً هناك نوع من النظام هنا، فالكتب الخيالية مثلاً توضع في مكان منفصل عن الكتب البوليسية والتاريخية. بالفعل مواضيع الكتب كُتبت على قطع صغيرة من الكارتون، عُلقت بشكل مائل عند الرفوف.طبعاً المكان الذي تقع فيه المكتبة هو أحد أجمل الأماكن في الحي اللاتيني، إذ تقع مباشرة بمواجهته كنيسة نوتره دامه على نهر السين. الباريسيون الحقيقيون يطوفون حول شارع البوشيري السياحي جداً! رغم ذلك فمن الناحية التجارية، ليس هناك محل أفضل من هذا، كان يمكن لجورج وايتمان العثور عليه: كل دقيقة تقريباً يدخل زبون جديد للمكتبة. ليس من الغريب، أن تنهمر عروض بيع المحل على الرجل الأشيب. مطاعم وبنوك يريدون شراء البيت المبني في القرن السابع عشر. رغم ذلك رفض صاحب المكتبة العروض، لأنه يريد أن يظل "شكسبير وشركاؤه" خالداً. ماذا كتب همنغواي عن صاحبة المكتبة ومؤسستها الأصلية؟ " لم أتعرف من قبل على شخص كان مؤدباً معي إلى هذه الدرجة". هكذا يجب أن تتحول المكتبة من جديد إلى مكان يلتقي فيه الكتاب الشباب. وكما صرح صاحب المكتبة ذات يوم لأحد الصحفيين، عندما يفتح باب المكتبة ونوافذها صباحاً، يتخيل نفسه وقد تحوّل إلى صياد:"صباحاً أشعر بنفسي مثل صياد سمك. منذ هذه اللحظة بإمكان باريس كلها أن تفيض حتى أبواب المكتبة، لكي أغوص في بحر الأدب". بالفعل من يدخل في "شكسبير وشركاؤه"، يغوص في بحر كبير....عميق يفيض بالأدب. لن يخرج منه إلا واللؤلؤ والمرجان في يديه!
منطقة محررة: في زيارة شكسبير وشركائه
نشر في: 4 سبتمبر, 2012: 07:37 م