إياد الصالحي لم نكن نعلم أنه الصوت الأخير الذي نسمعه قبل رحيله فقد بذلنا محاولات حثيثة من أجل تأمين حوار مثير معه أثناء تواجدنا في العاصمة الأردنية عمّان انا والزميل حيدر مدلول أواخر نيسان الماضي في مهمّة إعداد ملف موسع عن استعدادات الاتحاد الأردني لكرة القدم والمدرب القدير عدنان حمد للتصفيات المونديالية لمجلة (حوارسبورت) ، فذاب اعتذاره بحياء وألم مع شعوره بوعكة صحية ربما كانت بداية النهاية التي غيّـبته عن الحياة وخلدته في سفر الأبطال العرب أصحاب المآثر العظيمة في تاريخها الرياضي.
rnمات المصري محمود الجوهري.. لكنه وُلِد من جديد ، أية معادلة إنسانية هذه لرجل يعيش كل يوم بسمعته الطيبة ولم يعرف غير الصدق في عمله وآمن بأن النجاح ثمنه باهظ إن لم يحترس المرء من مكائد الفشل في طريق اجتهاده ، ولهذا كانت سيرته حافلة بالايجابيات سواء على صعيد الواقع الشخصي أم محطاته التدريبية المضيئة بعلامات التفوق وأصبح حكاية كل العرب الذين بكوه دماً لما تركه من أرث كروي لمصر وللأردن ولكثير من الاتحادات العربية التي استعانت بخبرته واستأنست بمشورته لإصلاح حال يائس بفضل حنكته لأكثر من خمسين عاماً.rnإن الفترة الذهبية التي عاشها الجوهري مع الكرة المصرية من 1990 لغاية 1998 تعد ذروة الإنجاز للفراعنة حيث قادهم لتحقيق الحلم المونديالي في ايطاليا ثم انتزاع كأس أمم أفريقيا ولم يشعر يوماً بالإحباط إلا أمام الأقلام المراهقة التي كانت تؤذي مشاعره المرهفة ووطنيته الخالصة التي صانها ضابطاً في الجيش ايام الستينيات ومدرباً قائداً حتى الممات ، ويكاد يكون المدرب العربي الوحيد الذي ترك بصماته على خارطة الكرة العربية بعد ان درّب في السعودية والإمارات وسلطنة عُمان والأردن منذ مغادرته مصر عام 1999بعد ان واجه حرباً شعواء من كتيبة الإعلاميين المناوئين له!rnإن صفات الجوهري الشخصية طغت على حرفيته في التدريب حيث بقي نقياً في علاقاته مع المحيطين به ، ولعل تجربة المدرب عدنان حمد مع النشامى تُغنينا عن تقديم الأدلة الواقعية في هذا الشأن ، فقد ذكر حمد انه تمتع باستقلالية كاملة أثناء قيادة المنتخب الأردني الشقيق منذ اربع سنوات بالرغم من مهمة الجوهري كمستشار للأمير علي بن الحسين رئيس اتحاد الكرة التي تُجيز له رسم سياسة الكرة الأردنية من الإلف الى الياء إلا أنه احترم إرادة حمد بخصوصية عمله ، بل ظل داعماً له طوال تلك الفترة وعزز نجاحاته عبر تقييمه الفني الكفء وكان آخره تصريح الجنرال المصري ان " العراقي حمد افضل مدرب عربي مروّض لذهنية اللاعبين مع سياسته وليس صديقاً للحظ " وهي شهادة جديدة تضاف الى عشرات الشهادات التي نالها ابن الرافدين على امتداد مسيرته اللامعة.rnاعتقد ان هناك تشابهاً كبيراً بين الجوهري وزميله عمو بابا الذي سبقه في الرحيل قبل عامين فكلاهما يعدان من قامات التدريب الاستثنائية كفاءة وحرصاً بيد ان الأخير حافظ على وفائه لكرة العراق ورفض آلاف الدولارات التي إنهالت عليه إثناء تواجده مع الأسود في مقرات إقامتهم بعد أن أهدى لهم عشرات الكؤوس والميداليات والألقاب بجدارة (1975-1988) ، لذلك ودع كرتنا وهو مطمئن لرسالته النبيلة في إسداء خدمة عظيمة للوطن من دون ان ينال ما يوازي جهوده وتضحياته.rnنأمل من الاتحاد العراقي لكرة القدم ان يبادر الى إصدار بيان نعي لرحيل احد رجالات الكرة العربية تضامناً مع الموقف العربي الذي دأب على مسايرة الأحداث التي تمر بها الرياضة من المغرب الى المشرق وخسارتها نجوماً كباراً من الرعيل الأول بمنزلة عمو بابا والجوهري ودورهما في تطوير اللعبة فضلا عن مواقف الاتحاد المصري المشرِّفة مع ظروف كرتنا ونوائبها انسجاماً مع العلاقات المتينة والأواصر الوثيقة بين البلدين الرائدين في الانضمام الى أسرة (فيفا) مطلع العقد الخامس من القرن الماضي وبروزهما قمتين رائدتين بين العرب.rnrn
مصارحة حرة :الجوهري توأم عمو بابا
نشر في: 5 سبتمبر, 2012: 07:17 م