 سرمد الطائيألم تجدوا سوى الفنان الكبير حسين البصري كي تركلوه بأعقاب بنادقكم؟ هذا ما حصل ليل الثلاثاء حين اقتحم شرطة السلطان وبأوامر عليا من "وهابية الحكومة العراقية" في هجمة منسقة، اتحاد الادباء ونادي الصيادلة ونادي السينمائيين وعشرات اماكن السهر الاخرى في بغداد، وانهالوا بالضرب على مرتاديها.
نحاول ان نقول للدنيا اننا تغيرنا وان صدام قد رحل الى الابد وهاكم العراق نموذجا للمدنية والتعددية الفكرية والدينية، بلد يدعو للسلام ويريد اقناع العالم المتقدم بالقدوم الى هنا للاستثمار ونقل المعرفة والتجارب الحديثة. لكن الاوامر التي يصدرها جنرالات متخلفون عقليا، تقدم صورة شوهاء للغاية، وتسحق كرامة الجميع.اننا محكومون بتحالف رهيب، جمع جنرالات صدام حسين الذين قادونا من هزيمة الى اخرى، بأحزاب اصولية متخلفة قادمة من العصور الوسطى وليس فيها رجل رشيد. والنتيجة ان الجنود يركلون واحدا من ارق فنانينا وأطيبهم روحا، ومعه نخبة الناس في نواد محترمة في بغداد.وهل بقي لدى العراقيين سوى بغداد كي يحظوا بسهرة يغني فيها صوت رقيق كحسين البصري؟ وهل ابقيتم شيئا من حواضرنا من الحلة الى البصرة، كي تصل النوبة الى بغداد نفسها؟ هل نعيد ثرثرتنا التي مللنا منها اثر الحملة الايمانية السابقة عام 2010 و2011 والتي كان بطلها رئيس مجلس محافظة بغداد، ومجلس محافظة بابل، ومجلس محافظة البصرة. السيد الزيدي للتذكير، قام باغلاق كل نوادي النخب والجمهور في ليلة ظلماء. وجماعة بابل طردوا فرقا فنية قادمة من اوربا لتعزف على قاعة العرش وفي معبد ننماخ داخل المدينة الاثرية. وجماعة البصرة طردوا سيركا قادما من روسيا ادخل الفرحة على قلوب الاف العوائل، ولم يعجب تلك الاحزاب القادمة من أسوأ فترات الحضارة الاسلامية.من قال انكم تمثلون الحضارة الاسلامية يا ناس؟ ان العالم القديم لم يشهد تنوعا وتعددية ثقافية كتلك التي شهدها العصر الذهبي للحضارة الاسلامية، في مدن الاندلس ودمشق وحلب والقاهرة والبصرة والكوفة وبغداد وسمرقند وبخارى..الخ. فلماذا ابتلتنا السماء بجماعات سياسية قادمة من العصر الباستيلي في الحضارة الاسلامية؟كلنا نقول ان وضع النوادي والمؤسسات السياحية يتطلب تنظيما، وتنظيمها يخدمنا جميعا. لكنها مغلقة اساسا يا ناس. لا توجد اي حياة ليل في العراق الا في بغداد وكردستان. اعيدوا حياة الليل ثم تعالوا نقوم بتنظيمها سوية اسوة بالدول المتحضرة.ثم متى تجدون الشجاعة والجرأة الكافية لمصارحتنا نحن العلمانيين، بنواياكم. ان النظم الديمقراطية قامت على فكرة القبول بالتنوع. لا علاقة لك بنمط حياتي، وفي المقابل فإنني لن اتحرش بنمط حياتك ايها المتشدد، (وبالمناسبة فهو نمط حياة يثير سخريتي اذا شئت ان لا اكتمك القول). لكنني مؤمن بأن لكلينا حق حياة على هذه الارض، انحني لمقدساتك، واطلب منك التنحي عن طريقتي في الحياة طالما كنت مسالما معك.هل تفهم اخي المتشدد كلامي هذا، ام ان علي ان اقوم بتشكيل ميليشيات لانتزاع حقوقي المدنية. ذلك اني اراك اخي المتشدد تكن احتراما كبيرا للميليشيات القوية، وتقوم باستصغاري والتقليل من شأني، لاني مسالم اتظاهر في ساحة التحرير بلا سلاح، وأتحدث في الصحافة بلا وعيد، وأتخلى عن انتمائي لطائفة السلطان ودينه بلا طمع، ولا احرض على اسقاط النظام بل اطالب باصلاحه.يبدو اننا وكل الذين تلقوا الركل ليل الثلاثاء، عكسنا صورة مسالمة ازيد من اللازم عن انفسنا، مع احزاب تمرست في التشدد وضرب الناس بالهراوات. ولكن ما العمل، وهل نتقن سوى اساليب السلم المتمدنة؟ هل نشأنا مثلا في بيئة نشالين ولصوص وفاسدين وجهلة، كي نتعلم كيف ننتزع حقوقنا من احزاب انبعثت من سديم مظلم لا تعريف واضحا له حتى الان.قلت لرجل متشدد في البصرة ايام العيد، ان المتشددين يشعرون بحزن. عملوا كثيرا لتحويل العراق الى قندهار على طريقة بن لادن، لكنهم يتفرجون اليوم على الاف الشباب وهم يغنون ويرقصون حتى مطلع الفجر، على كورنيش العشار.المتشددون يعلمون ان المستقبل ليس لهم، وانهم يكسبون الوقت ويثيرون الشغب فقط. الرغبة بالحياة اقوى من اي وهابية او سلفية او تشدد، وهي تتعرض لابشع هزيمة في عقر دار السيد علي خامنئي وفي عقر دار الشيخ محمد بن عبد الوهاب، والسبب ان "الدنيا مالتنا" كما كان يقول آخر شهداء الحركة المدنية.