احمد المهناأصبح ما يمكن الاصطلاح عليه بـ "الخوف على الله" لافتة تقسم المجتمعات العربية بين تيارين ديني وعلماني. فمن هذه اللافتة الدفاعية انطلق "الاسلام السياسي"، مقابل لافتة "حقوق الانسان" التي هي وجهة التيار العلماني الديمقراطي. ويتركز جوهر الصراع بين التيارين على خوف الاسلاميين من ظلم "حقوق الانسان" لـ "حقوق الله"، وخوف العلمانيين من ظلم "حقوق الله" لـ "حقوق الانسان".
والظلم في الحالتين وارد وموجود في شواهد التاريخ. فقد ظُلم الانسان مرارا وتكرارا باسم الدين. وظُلم الدين مرارا وتكرارا أحيانا باسم الدين نفسه، وأحيانا أخرى بعلمانيات متطرفة مثل نموذجي روبسبير وأتاتورك. فلا توجد أي ضمانة لتجنب الظلم في حكم الانسان. وعلى هذه الأرض لا يوجد حكم لغير الانسان، حتى مع ادعاء الحكم باسم الله. فليس في دين الحاكم، أيا كان، عصمة له من ارتكاب الظلم. كل حاكم معرض لأن يكون ظالما، بصرف النظر عما اذا حكم بشرع الله أو بقانون البشر.ويمكن للذين يخافون على الله أن يكونوا رائعين اذا عملوا من أجل ذلك متطوعين، ولا يكون دينهم عملا للحصول على مال أو سلطة، ولا يكون لديهم دافع يحركهم سوى الايمان. ان التدين من أجل المال تجارة جائرة بحق الله. فلا يصح تحويل الدين الى سلعة في سوق التجارة. كما لا يوجد شيء من الدين في التدين من أجل الحكم، وانما استغلال للمقدس من أجل العادي، باتخاذ الله وسيلة الى السلطة. ولا يصح طرح الدين كفكرة للمنافسة في سوق السياسة. والأفكار هي بضائع السياسة كما أن البضائع هي سلع التجارة. وللمقدس مقام لا يقرن بالسلع والبضائع، كما لا يقرن الخالق بالمخلوق. فالعقائد إلهية والاعتقادات بشرية.ان سلطة "الخوف على الله"، أو النظام السياسي الديني، هي سلطة فرض الايمان ومنع الكفر. وهي سلطة متعارضة مع "حقوق الانسان" التي تعد حرية العقيدة والمعتقد فيها، وضمنها "حقوق الله"، مقدسة، لا تقبل المساس، لأن المساس بحرية العقيدة والمعتقد يغلق التسامح ويفتح التشدد. و"التسامح" هو وسيلة التعايش السلمي بين الأديان والطوائف والأفكار المختلفة في المجتمع الواحد. انه أهم أعمدة المجتمعات الديمقراطية الحديثة. وشغلة الحكومات في هذه المجتمعات أساسا هي حماية الأديان المختلفة، كما حماية بضائع الناس المتنافسة في اسواق التجارة والثقافة والسياسة، ومنع تعرضها للاعتداء، أو تسببها باعتداء. فالعنصرية فكرة، ولكنها ممنوعة، يعاملها القانون معاملة الجريمة، لأنها عدوان على مبدأ المساواة في الكرامة بين البشر.في المقابل فان حرية العقيدة والمعتقد موضع شد وجذب في الفكر الاسلامي، فمنهم من يقرها ويجد لها أصلا في الدين، ومنهم من يرفضها مستندا بدوره على أصل من الدين. وبهذا الرفض تلتزم الدول المحكومة باسم الشريعة. وهذا الرفض يفترض "قصورا" في عقل الفرد تعالجه الحكومة بفرض "النضج" عليه بالقوة، كما يفترض ضعفا في قدرة الله على الدفاع عن حقوقه، فتعالجه الحكومة أيضا بالقوة! ومن يفترض القصور في عقل الانسان والضعف في ارادة الله لا يثق بالباري ولا بالفاني، ولا يخشى الخالق ولا المخلوق. فذلك هو معنى أن يفرض حُكْمٌ أو حاكم نفسه بقوة الدولة وصيا على حقوق الله والانسان.ولعل الخوف من الله، لا على الله، هو معيار الايمان ومقياس الحكمة. انه الذراع المعنوية للعدالة. كما أن القانون هو الذراع المادية للعدالة. والفرق جذري بين الخوف من الله والخوف على الله. فالأول أقرب الى الدين والأخلاق، والثاني أقرب الى السلطة والسياسة. ولعل الدول الديمقراطية العتيدة اكثر انتسابا للخوف من الله، لقلة ظلمها وكثرة تحررها، في حين باستثناء حكومات الأنبياء لم يشهد التاريخ حكومة دينية خافت الله حقا، ولم يكثر جورها ويعظم استبدادها.
أحاديث شفوية: الخوف على الله
نشر في: 5 سبتمبر, 2012: 09:56 م