ياسين طه حافظالمهمة النقدية، كما الفكرية، هي قراءة تلك المرأة الحقيقية، الممحوّة! وهذا يعني رفع الحجب التي نسجوها، تمزيقها بالكلام والأظافر وتفكيك المنظومة الذكورية - النفعية أساسا - بتغيير الأنظمة والقوانين والإرث الساند لها وهكذا انتهينا إلى التدخل الذي بدأنا به الكلام وتغلغل "الخاص" بـ"العام".
rn والأدبي بالسياسي وأدبيا، الأسى الغنائي بالفكر الثوري! أنا لا استطيع تقبل أي قراءة إنشائية تعتمد التعابير الهلامية مما يتدرب عليه المنشئون السُذّج في كلامهم عن النص النسوي. نحن بإزاء قضية ضخمة لها تاريخ اسود كبير، أسبابها معروفة والأنظمة التي أبقتها معروفة الأسباب والمصالح. وهذا نص مُعَبّأ ووراءه تاريخ وذخيرة اجتماعية مختلطة المواد وإشكالات من تقاطع المصائر وتقاطع الأفكار. أرجو إلا يُسْتَهان بأي نص نسوي، احترموه أولا، تفحّصوه، ولا بأس بعد ذلك من أي حكم على فنيته أو مضمونه نحن نقرأ عينّة اجتماعية مُخُبّأة في نص! نعم، يمكن أن تكون اهتماماتنا "الخارجية" متشابهة، ويمكن ان تكون لنا اجتهادات في فنية التعبير وفي تركيب الجملة وعموم الأسلوب. هذه انشغالات النقد الأدبي الأولية، لكن يجب ألا يتعدى ذلك إلى الحكم الواحد على الدلالات وأبعاد المضامين وإحالاتها، فهذه تستند إلى خصوصية والى تاريخ اجتماعي والى النزوع الثوري الأنثوي المُدّخَر الذي لا يمكن أبدا أن يفارق، ولا فارق يوما، تاريخ المرأة منذ أن وقعت تحت هيمنة إخطبوط المنظومة البطرياركية.َ الهم الشخصي والدور الصامت في التغيير، ذلكما من أهم شواخص الحركة الأنثوية اللبرالية اليوم وان انقسمت ليبراليات الطبقة الوسطى إلى جملة اتجاهات، ليس أخرها ما يسمى بـ القيمة النسبية Relative Volue وكل اتجاهات هذه الحركة، تفكر في دائرتَيْ، الخاص والعام وأي دور يمكن أن تؤديه المرأة في كل منهما. أولا، جميعهن يرفضن الفصل بين الذاتي الشخصي عن العام لأنهن، بذلك الفصل، يخسرن الكثير من المنافع التي يمكن ان يقدمها لهن "العام": القوة، الشرعية وفرصة الخطاب الأوسع. وهذا ما يتضح جيدا في الكتابة الأنثوية لمن يعملن، مباشرة أو بغير مباشرة، في ضوء مفهومات الحركة الأنثوية اللبرالية ففيما اقرأ من شعر زميلاتنا ومنهن بوضوح أكثر، السيدة نوال القاضي. أرى التداخل هنا بين العالمين يسير بحيوية أكثر وتحت ظلال سياسية غبشية قليلا. ولا يبتعد الشخصي، نسبيا، عن العام الا في لحظات الوجع الذاتي وساعات الوحشة أو الضيق ذرعا.rnوفي كل هذا تسير القصيدة بخطوات فيها نوع من الارستقراطية اللفظية ونبرة الخطاب خفيفة مترفة قليلا لكن واضحة وراءها المرأة المستاءة من غمرة العام المتخلف والمدان والذي تطغى فيه المتاعب الشعبية. صوتها يحتج بتهذيب وبصوت ما اعتاد على الشتم والثأرية الخشنة هادئة ترفع أوجاعها نضال:rnما أعوز القاع إلى عراياهrnوهو يدور مقذوراrnمن مساس قامة متكالبةrnسفوحهاrnجملة طويلة يقطعها لصوص.rnبهذا الوضوح امتزج "الخاص" بـ"العام" وبألفة واضحةٍ هشاشةُ قشرتها. لا يستطيع البورجوازي الذي اعتاد الظلال أن يتحدث بلغة أكثر من هذه خشونة واستياء. بين الترف والتهذيب وبين الأذى الخشن والهمجي في أحيان كثيرة، ما استطاعت لغتها المختارة ان تنهض محتجةً بأكثر من هذا. وكما نرى في النص، تبدو الجمل متباعدة. هي تقول جملة وتصمت شأنَ مهذبٍ في خصام. الخاص هنا سليل تربية وأدب والعالم حولها صفاته:rnمتكالبrnلصوصيrnوقذرrnذلك أقصى ما استطاعت من شتم وبنبرة هادئة لا تحسن الزعيق..rnوإذا امتلكنا مهارة ما يسمى بالانجليزية Peeping، أي التلصص أو النظر خلسة للزوايا البعيدة في مقاطعها الشعرية، نستطيع إذن، من مشاهداتنا تلك، أن نرسم يوم حصار داخل "الكهف" وخارجه، حاول الشعر أن يغطيه بغلالة رقيقة، هي في كل حال تشفّ عن:rnشائعة تستعير قامتي كلما نمت.rnيداي المسدلتان تقطّران الوجع في مصباحrnالحرية فضيحة حينما تتكدس الأحلام في الجثث rnوالجثث في الهواء الطلق.rnأنا زهرته التي اندلع رأسها فجأة بالهواءrnرأس مقطوع من تمثال الريح يرجم بابي rn(مخطوطة ديوان، بنت لي عواء وبسكويت)rnجدول هذه الأوضاع المدانة والمرعبة يكشف الاستياء الشعري، المر من الداخل والوضع المأزوم وأحداثه في الخارج. ماذا تستطيع امرأة، وامرأة أم لا يفارقها الشعر، أن تفعل في هذا الشرك الواسع من اشتباك المصالح وتداخلات العام بالخاص والذاتي الخاص بالعام، ذلك العام المسلح بقوانين وأنظمة تردت منذ قرون، وقد يكون مدعوما بالعسكر وتُعْلَن فيه أرقام المقتولات من النساء، بصفات الغياب أو الانتحار للإيهام؟ ما كان منها إلا أن تعول فجأة بوحشية كسيرة مما هي فيه ومما في الشارع والدائرة وحيث تكون في مجتمع الذكوري حيث القهقهات والكذب والجوع إلى الجسد والتباهي الفارغ ولغة العداء أو التودد المخادعة... في حالٍ كهذا ليس لها إلا: "كتابة" rnسواداتها سالت rnحيث خيولrnتمزّق مجرى قديماً لقامتيrnلا يمنح الانسجام بعدُ، إلا السكون الصوفي، والذي هو هروب في جانب كبير منه، نسيان مصنوع وإيقاف
المرأة الممحوّة..قراءة في شعر نضال القاضي
نشر في: 8 سبتمبر, 2012: 07:11 م