حمزة الجواهريقد تطول كداحس والغبراء، وقد تكون أكثر تدميرا من معارك صدام، إنها معركة قانون النفط والغاز التي بدأت ومازال سعيرها يشتد لظى، والغموض يلفها من كل جانب رغم أنها الأكثر ضجيجا وإثارة من كل الضجيج الإعلامي الذي وصلت أصداؤه إلى واشنطن، بل وحتى جزر الواقواق.
مرت سنوات طويلة على صدور مسودة قانون النفط والغاز في شباط2007، خلالها اكتشفنا أن حقول الألغام بهذه المسودة منتشرة بشكل واسع كتلك الحقول التي تحيط بأرض العراق من كل جانب وربما اكثر.مسودة شباط2007 فيها ما هو ضبابي ويقبل التأويل، وما أدراك ما التأويل، فهو الذي وسع الهوة بين إقليم كردستان والحكومة الاتحادية، وهو المسؤول عن العديد من الأزمات التي مر بها العراق ومازال.المادة111 من الدستور كانت هي المادة الأولى لهذه المسودة، ورغم وضوحها، لكن وبقدرة قادر وجدنا أن لها تفاسير مختلفة متعارضة تماما مع بعضها البعض، والغريب في الأمر حقا أن تلك التفاسير لم تأت بعد قراءة المسودة في البرلمان قراءة أولى، ولكن قبل هذا التاريخ، وصدرت دراسات مزعومة أعطت تفاسير بالتأكيد لم يقصدها المشرع العراقي، لأنها متعارضة بالمعنى مع بعضها، وربما كان المشرعون يعرفون أن هذه المادة ما هي إلا منزلق سيقع به الجميع، فوضعوها قصد التضليل، من يدري، إن بعض الظن إثم.مسودة شباط2007 فيها إسفاف غير مبرر وغير مسبوق بكتابة القوانين، وفيها فقرات تتعارض مع بعضها البعض، وفيها متاهات تعيد المرء إلى طريق كان قد مر به قبلا، فتقرأ عن شركة النفط الوطنية، وتمضي لتجد نفسك مرة أخرى تقرأ عنها بعد أن ذهب بك الظن أن موضوعها قد انتهى، وهكذا وزارة النفط الاتحادية والمجلس الاتحادي للنفط والغاز وحتى الهيئات الاتحادية.مرة تضع المسودة مسؤولية موضوع معين بيد جهة ما، وبعد ذلك ببضعة اسطر يقرأ المرء أن تلك المسؤولية قد أنيطت بجهة أخرى، ولا تدري لأي منهم الأولوية.دعوني أسأل هنا، إذا كانت ثلاث فقرات دستورية وردت بمادتين فقط في الدستور حول النفط والغاز ولم يتفق عليها المفسرون، فما الذي سيحدث لو صدرت هذه المتاهة القانونية التي سميت بمسودة شباط2007؟امامنا مسودتين لعام2011 وجدت أنهما متفقتان حد التطابق بمعظم فقراتهما، عدا بضع مواد لا تزيد على أصابع اليد الواحدة، من خلالها نجد أن الخلاف يتبلور حول مواضيع محددة وبشكل واضح، لكن حين ندرس موضوع الخلاف من جوانبه المختلفة نجد أن لكل منها مخرجا يمكن الاتفاق عليه بين الأطراف، ولكن شرط صفاء النية.فلنفترض جدلا أن النوايا سليمة حقا لجميع الأطراف، وبالرغم من أن هذا الافتراض يعد ضربا من الخيال، لكن مع ذلك نستطيع الدخول برهان، لأن المخارج لمواضيع الخلاف حقيقية وسليمة دستوريا وترضي جميع الأطراف، بل وترضي حتى تلك الأغراض الشخصية، وهي كما أعتقد جازما تعتبر الأسباب الحقيقية التي تقف وراء الأزمة، فلم لا نجرب المرور من خلال هذه المخارج؟مهما كان الأمر معقدا فهناك مختصون يستطيعون فك العقد بسهولة، فلنجرب هؤلاء، أقصد ذوي الأصابع الرشيقة بفك العقد، أصحاب العقول التي استطاعت تفكيك رموز الحمض النووي ومعرفة كل الصفات الجينية للمخلوقات على الأرض، لنجلس مع أصحاب الاختصاص على طاولة واحدة ونضع كل شيء أمامنا، فلا تبخسوا حق هؤلاء المهرة بفك العقد، هم أيضا عراقيون ولهم ما لكم من نصيب في الثروات النفطية والغازية، وعليهم ما عليكم من استحقاقات، وإذا فشلوا أو "أفشلوا" بتقديم خدماتهم، هناك أيضا محكمة اتحادية عراقية تستطيع التفسير.الجواهري قالها للغانية"جربيني قبل أن تزدريني"
اوراق اقتصادية: معـركـة المعـارك
نشر في: 8 سبتمبر, 2012: 08:41 م