بغداد/المدىالتحقيق في أسباب سقوط الطائرات يعتمد في الأساس على التسجيل الصوتي لاتصال قائد الطائرة ومساعديه مع بعضهم وكذلك مع المحطة الأرضية خاصة في الدقائق الأخيرة التي تسبق الواقعة. للمحافظة على المعلومات المسجلة وحمايتها يوضع جهاز التسجيل في صندوق معدني مقاوم للحريق والماء والصدمات؛ وهو ما يسمى اصطلاحاً (الصندوق الأسود) على الرغم من أن لونه ليس أسود بل برتقالياً أو أصفر. 
 كما يعتمد أيضاً على انطباعات المختصين من خلال فحص حطام الطائرة واتجاه الانبعاج في الأجزاء المحطمة والعثور على أجزاء من المواد المتفجرة. أما إذا تحطمت الطائرة فوق مياه البحر أو المحيط العميقة، خاصة إذا كانت تيارات المياه قوية وسريعة، فقد يصبح العثور على الصندوق الأسود متعذراً، وربما لا يتيسر انتشال قطع من الحطام تكفي لتبيان السبب وراء تحطم الطائرة. يلجأ المحققون في هذه الحالة إلى دراسة أجساد الضحايا التي يسهل انتشالها لكونها تطفو على سطح الماء خلال أيام قليلة، نتيجة انخفاض كثافتها النوعية، بسبب الغازات التي تنبعث من نشاط بكتيريا التعفن. يستنتج المختصون حقائق مهمة بفحص إصابات الضحايا، من حيث طبيعتها، وأنواعها، وشدتها، وموقعها على الجسم. ويستعان بقائمة أسماء الركاب وأرقام مقاعدهم لمعرفة مكان جلوس كل من الضحايا، وإيجاد العلاقة بين مكان الجلوس والإصابات.   صار تحطم الطائرات في عصرنا الحاضر مرتبطاً بالتفجيرات الإرهابية، ولذلك فإن تأكيد أو نفي هذا الاحتمال يأتي على رأس سلم أولويات المحققين. الجروح الناجمة عن المتفجرات لها طبيعية خاصة يعرفها المختصون، وعليه يركز الفحص الطبي الخارجي والتشريحي على وجود إصابات طبيعتها تدل على حدوثها بسبب المتفجرات. فإذا دلت الإصابات على ذلك، تكون الخطوة الثانية تحديد موقع القنبلة في جسم الطائرة. الأجساد الأكثر تضرراً (المتفتتة) هي الواقعة في بؤرة الانفجار، ويشمل ذلك عادة مجموعة من أجساد الضحايا الذين يجلسون حول موقع القنبلة. وعادة يستخدم مخطط مقاعد الطائرة وتوضع عليه علامات بالألوان، فيستعمل اللون الأخضر ليدل على الأجساد السليمة تقريباً، واللون الأصفر ليدل على تهشم الرأس أو فقدان أحد الأطراف، واللون الأزرق يدل على فقدان طرف أو اثنين من الأطراف سواء كان الرأس سليماً أو مهشماً، واللون الأحمر يدل على فقدان ثلاثة أطراف أو أكثر أو انشطار الجسم كلياً.كما يجب تصوير جميع الأجساد بالأشعة السينية لبيان إن كانت منغرسة فيها أجسام معدنية متطايرة من جسم القنبلة أو من جسم الطائرة بسبب القنبلة. الأجسام المعدنية المتطايرة تصيب الركاب في المجال القريب من القنبلة المنفجرة، وبهذا يمكن معرفة إن كانت الإصابات ناجمة عن انفجار قنبلة وموضعها في جسم الطائرة. فإذا انفجرت قنبلة في دورة المياه الواقعة على يمين الطائرة، تتطاير الأجسام الصلبة بسبب الانفجار وتصيب مقدم أجسام الركاب الجالسين في مواجهة دورة المياه، وتصيب الجانب الأيمن من أجسام الركاب الجالسين على الجانب الأيسر من الممر الفاصل.أما الحروق التي تصيب ضحايا تحطم الطائرات فتصنف حسب السبب إلى نوعين: حروق كيميائية؛ وسببها تعرض أجسام الركاب للوقود السائل ذي التأثير اللاّذع أو الكاوي للجلد، الذي يتناثر أو ينسكب عند تحطم الخزانات الهائلة الواقعة في جناحي الطائرة ووسط جسمها. فإذا أصيبت الطائرة بقذيفة أو صاروخ فإن الوقود المتناثر إلى داخل مقصورة الركاب سيصيب مقدم وجانبي أجساد الركاب، لأن ظهورهم تكون محمية بمساند المقاعد. أما إذا كان التحطم بسبب ارتطام الطائرة بسطح الماء، فستتطاير الأجساد بعيداً عن الحطام بفعل الصدمة، وسيطفو الوقود المنسكب فوق الماء ويؤدي إلى حروق كيميائية تصيب ظهور الأجساد الطافية (يشكل الرجال عادة معظم الركاب، وعندما تطفو أجسادهم على السطح تكون ظهورهم إلى أعلى، بينما تطفو أجساد النساء وبطونها إلى أعلى بسبب كمية الشحوم، ذات الكثافة النوعية الأقل، على الصدر والبطن).تنجم الحروق النارية عن اشتعال النار في الوقود وانتقالها إلى جسم الطائرة وكذلك الركاب. وسواء انفجرت قنبلة في جسم الطائرة أو أصابها صاروخ أو قذيفة، أو ارتطمت بالأرض أو البحر، فالنتيجة الحتمية انفجار خزانات الوقود واشتعال النيران في الطائرة. وفي الحالة الأخيرة يترتب على شدة الارتطام والانفجار المصاحب تطاير الأجساد بعيداً عن الحطام خلال ثوان على الرغم من ارتداء أحزمة المقاعد، وبهذا يلاحظ أن مقاعد الركاب محترقة بدرجة أكبر بكثير من الأجساد الطافية. نظراً للسرعة الهائلة لطائرات الركاب التي تصل إلى أكثر من 800 كيلومتر في الساعة في الطائرات الضخمة، فإذا حدث فيها شرخ لأي سبب من الأسباب تفقد توازنها وتتشقلب في الهواء، وتعمل السرعة على انتشار الشروخ فتصير حطاماً في غضون ثوان معدودة.وتكتسب أعضاء الضحايا الداخلية وأحشاؤهم سرعة هبوط مساوية لسرعة هبوط الأجساد، وفي لحظة الارتطام بسطح الماء تتوقف الأجساد الهابطة، بينما تستمر الأحشاء في التسارع لبرهة تقل عن جزء من الثانية، فترتطم بالسطح الداخلي لتجويف الجسم، الذي يكون حينها بدأ في الارتداد المعاكس، وبهذا تتضرر الأحشاء أو تتمزق. ومن أهم الإصابات القاتلة التي تحدث نتيجة لذلك، تمزق الشريان الرئيسي الخارج من القلب (  الأورطي أو  الأبهر