TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > قرطاس: إعدام!

قرطاس: إعدام!

نشر في: 9 سبتمبر, 2012: 06:35 م

 أحمد عبد الحسينأمس وضع الإرهابيون العراقَ كله في حفرة نار، فالمحافظات الجنوبية "الآمنة نسبياً" أصابتها تفجيرات موجعة قال الرسميون عنها انها من عمل تنظيم القاعدة الذي يعرف الجميع انه لا ينشط هناك وليس له "حواضن" كما يقول الرسميون أيضاً.
وأمس أيضاً صدر حكم الإعدام بحقّ نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي، ها هو المتهم بقتل عراقيين أصبح مجرماً بعد أن أدين. ولا أحد من المنصفين يشكّ في استحقاقه هذه الإدانة.من كان يؤمن أن حكم الإعدام وسيلة لردع آخرين "وأنا لا أؤمن بذلك" فإنه لا بدّ أن يرى في الهاشميّ مستحقاً للحكم الذي أوقعته المحكمة عليه، مهزلة الهاشمي لا يمكن أن تحدث إلا في العراق: نائب رئيس جمهورية يستغل نفوذه ومقدرات الدولة لينشئ ميليشيا قتل على أساس طائفيّ.تزامن الحدثين يغرينا بالربط بينهما، لن يكون شافياً لصدور أهالي الضحايا ونفوسهم أن مجرماً كبيراً صدر بحقه حكم إعدام، القتل مقابل القتل لا يشفي، كما يظنّ البشر منذ القديم، وكما صاغوه في حكمة "العين بالعين" التي قال عنها حكيم متأخر ـ وهو على حقّ ـ أنها تجعل العالم أعمى. هذا سبب وجيه يجعلنا لا نثق بحكم الإعدام.لكنّ الإدانة في حد ذاتها، إدانة الهاشمي وثبوت التهم بحقه، مكسب كبير لنا ولذوي ضحاياه، مع ان كثيرين يظنون ان قرار المحكمة سيؤجج الوضع أكثر، لا بل ان آخرين قالوا ان التهاب العراق أمس كان استباقاً من قبل إرهابيين لإدانة الهاشمي المتوقّعة.ما يؤلم حقاً معرفتنا جميعاً ان الهاشمي ليس بدعاً من ساسة العراق، هو نتاج عملية سياسية تافهة، والساسة الذين احتفلوا أمس بانتصارهم عليه، هم انفسهم من كانوا شركاءه، وهم ذاتهم من أخفوا ملفات جرمه ثلاث سنوات كاملة، ولم يكشفوها إلا بعد أن صار كشفها نافعاً لهم.الهاشمي نتاج مرحلة سياسية غبراء ظلّ وما زال يمارس الساسة العراقيون فيها جرمهم بتلقائية وسلاسة ودون وجل من أن يساءلهم أحد "استوقفني تصريح اليوم لأحد النواب قال فيه ان النائب المقصر لن يحاسبه إلا الله". وجهُ الهاشمي لا يختلف كثيراً عن وجوه أنصاره وغرمائه من الساسة، سوى انه أصبح ضعيفاً هارباً بعد قوّة وحصانة، وغرماؤه كما أنصاره لا يزال بعضهم يمارس ذات إجرام الهاشمي وقبح أفعاله ودونيتها لكنْ مع حصانة كونكريتية مصفحة مدعومة بمال وفير وشعبية أوفر مستقاة من كونهم مممثلي طائفة ما، ومخوّفي جمهورهم من خطر طائفة أخرى.لا أحد من العراقيين سيذرف الدموع على المدان الهارب المنقول بالطائرات من دولة لأخرى يجيّش الناس طائفياً، لا أحد سيحزن لأننا ندرك يقيناً أن من يؤمن بحكم الإعدام "مرة أخرى أنا لا أؤمن به" يرى ان سياسيين كثراً في السلطتين التشريعية والتنفيذية يستحقون أن يقفوا في قفص الاتهام وأن يصدر بحقهم حكم كالحكم الذي استحقه بجدارة نائب رئيس جمهورية العراق، الجمهورية التي تنفرد عن سواها من الدول باحتوائها على أكبر عدد من الساسة المجرمين ممن يكون الخلاص منهم ـ بهربهم أو بقتلهم إذا لزم الأمر ـ رحمة بالعراق ومستقبل أبنائه.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram