سلام خياط ما من محنة أشق على المرء توازي محنة الصحفي الملتزم، المبتلى بالكتابة اليومية، او الأسبوعية، المطالب ببلورة رأي نير، او المعول عليه لترويج فكرة خلاقة، أو تشخيص علة اجتماعية.يوم كان الرقيب بمقصه البتار وعيونه النفاذة، يحاسب الصحفي على الجملة الناشزة عن مقاس مسطرة السلطة، فيحذفها، او الإيماءة الدالة فيقوم بمحوها، او الإشارة لمكمن خلل أو خطيئة فيدين كاتبها دون محكمة.
rnكان هناك – يومذاك – من يقرأ ويدقق ويستنتج، ويتحسب لسطوة جملة، أو تجييش خواطر، حتى عرف عنه (الرقيب) إنه يقرأ الممحي، ويتنصت على لواعج الكاتب طي الضلوع. rnاليوم، غابت الرقابة! أو توارت خلف المسميات، خيل للصحفي أن بوسعه التنفس، بوسعه التطرق لأشد المواضيع حساسية والإشارة إليها صراحة لا دلالة، وإن بمقدوره تقريع من يشاء، ابتداء من أعلى مسؤول، لأبسط خفير.rnبوسع الصحفي – اليوم – أن يجهر بالقول، يورد أسماء، ويشير لأحداث، له أن يضج بالصراخ – على الورق –له أن يولول، ينتحب ويشق الجيب، له أن يضرب رأسه بأقرب حائط، ولكن فاته إنه ينفخ في رماد.. ف..لا أحد يحسن قراءة ما يكتب، ولا أحد يعبأ أو يبدي اهتماما بما يقول،ولو تكرم أحد وانتبه لحجم الفجيعة وتداعيات فضحها، فالويل للكاتب، والكاتم له بالمرصاد.rnكثيرة هي الشائنات التي تستحق الإشارة إليها، لكن الجمل تتدنس وتتعفر براءتها بالسخام، حين يحشرها الصحفي في زاوية الفئة، او الطائفة او الكتلة، هاجرا رحبة الوطن وحقوق المواطن.rnماذا يتبقى من الكتابات الصحفية المبدعة، المؤثرة،القائدة، الدليل في العتمة، إن هي ولغت في مستنقع راكد، تعلو سطحه الأشنات، وتنق فيه الضفادع؟؟rnقال زميل قديم في جلسة خاصة ضمت نفرا من المثقفين: تعلمت من تجاربي المريرة، ألا أخوض في وحل السياسة، فإنها غم ووجع رأس ودية من يخوض لجتها , باهظ، تركت التنظير في الاقتصاد _ وأنا الضليع بعلومه –لأنه يسبب الهرش الفكري لأهل المال وحديثي النعمة، تبت عن المطالبة بحقوق الإنسان، لأنها أودت بي يوما للاعتقال.تجنبت الإشارة للدين، والعمائم والعباءات والدشاديش القصيرة واللحى الطويلة، خشية من اتهام بالإلحاد او العلمانية! زهدت بفضح ما عند الآخرين من كدس الأموال، خوف اتهامي بالحقد وحسد ا لعيشة. و.. و.. rnلم يتبق لك شيء لتكتب عنه، قال بألم: بل هناك الكثير: الطعام بأنواعه ّ التجميل، الأزياء، الشعر العاطفي، تربية الطيور،، فنون التقنية... إلخ. صدقوني – قال وصوته يختلج: إنها أرصفة مأمونة، بعيدة عن حقول الألغام، علاوة على إنها تدفع عني البطالة، وتوكل عائلتي خبزا.. أدري إنه شبيه بلقمة الزقوم.rnrn
الصحفي تابعاً.. الصحفي متبوعاً
نشر في: 9 سبتمبر, 2012: 08:48 م