TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > عالم آخر : هزائم للجلد والعظم

عالم آخر : هزائم للجلد والعظم

نشر في: 9 سبتمبر, 2012: 09:08 م

 سرمد الطائي انهمك العراقيون في متابعة تفجيرات الاحد التي جاءت لتستعرض قدرة المسلحين على التنقل وادارة عملية لوجستية رشيقة، من غرب البصرة الى جنوب الموصل مرورا بخمس مدن اخرى، ثم تابع العراقيون "الرد الحكومي" السريع على هذا العنف باصدار حكم اعدام على نائب الرئيس المتهم. لكن محدثي الشاب كان يحكي لي عن "طرق التعذيب الحديثة" التي رأى مؤسسته الامنية تستخدمها وتنتزع من خلالها الاعترافات، بحيث لا تترك اثرا على عظم ولا جلد. ما رأيك ان يجري وضعك داخل ماكنة غسل سيارات نصف ساعة؟
rnالمؤسسة الامنية التي لم تسترح بعد من عناء ليلة طويلة ركلت فيها مؤخرات رواد اماكن الترفيه والنوادي، تلقت اكثر من 15 هزيمة في ساعة واحدة صباح الاحد. هزيمة هذه المؤسسة هي هزيمة لنا جميعا. كل ما تبقى من اخر هزيمة 300 جريح وعشرات النعوش المغادرة نحو المثوى الاخير، وعويل سيستمر اياما داخل مئات العوائل.rnالركام الذي نثره عنف الاحد وبقايا المباني والاجساد قرب علي الشرقي والقنصلية الفرنسية في الناصرية وطابور المتطوعين في كركوك وسواها، هو جزء غامض جديد من قصتنا العراقية. الضحايا رحلوا بطريقة مؤلمة دون ان يعرفوا السبب. رحلوا وهم يحدقون في وجه القائد العام لقواتنا المسلحة، مستفهمين عن سر كل هذا الفشل المتواصل، وعن 20 مليار دولار ينتزعها من افواه الشعب لينفقها على ملفات الامن دون ان نحصل على امان. اما هذا القائد الذي لا يمتلك اجابة فإنه يبرهن لنا على قدرة احسده عليها، في تحمل عشرات الهزائم دون ان يرف له جفن. لقد اعتدنا هذا النوع من القادة في بلاد الرافدين، فما الداعي للعجب او الحسد؟rnمحدثي الشاب يعمل في مؤسسة امنية مهمة، اسأله عن التفجيرات فيحكي لي عن عشرات المتورطين في العنف ممن رآهم اثناء التحقيق. يقول ان هناك مؤسسة عنفية متكاملة تشكلت في العراق وتطورت وباتت لديها تقاليد واستثمارات وهي لا تحتاج اساسا الى دعم كبير من اي طرف ولا تحتاج منظمة القاعدة الدولية. هناك "بزنس مسلح" ابطاله شباب عراقيون يائسون مخلوقون في سنوات الانهيار، يقتلون بدم بارد وينفذون اعقد العمليات ولا يهتمون بشيء سوى المال وبضعة شعارات، مع ان بعضهم يحمل عقيدة دينية خطيرة ويبحث عن "ملحمة استشهاد" كالتي يقرأ عنها في الملاحم القديمة.rnاسأله عن اخر نتائج التحقيقات بشأن اعمال العنف، فيقول: اختلط علينا الحابل بالنابل. نقوم بوضع المتهم في آلات تعذيب حديثة فيعترف بما فعل وبما لم يفعل. وكل اعترافاته لا تكفي لكشف شبكة العنف الواسعة و"بزنس الموت" في العراق. يقول ان المؤسسة الامنية تلجأ حاليا الى وسائل تعذيب لا تترك اثرا على جلد او عظم كي لا تواجه باعتراضات المنظمات الحقوقية. بعض المتهمين يوضعون داخل ماكنة لغسيل السيارات وتدور حولهم فرشاة الغسيل "بالماء والصابون" وقتا طويلا فيصابون بارتباك وهلع ويدلون باعترافات متناقضة احيانا. هناك اجهزة اخرى تقوم "برجرجة الكليتين" او اعضاء حساسة اخرى وتحدث ألما فظيعا دون ترك اثر. وكل هذا والعنف يتجول برشاقة ويكتب نهايات مؤلمة لأكثر الناس بؤسا، في الاسواق الشعبية او طوابير التطوع، وعند مزارات الاولياء..الخ.rnاكثر اهلنا بؤسا تتناثر احلامهم وارواحهم ويرحلون دون ان يتاح لهم ان يفكوا لغز الموت العراقي المتواصل. كل "انتصارات" قادتنا الحكماء، لن تعيد للراحلين ارواحهم، فالزعامات الكبيرة تتحكم بمليارات النفط وتتأنق امام الكاميرات مرتين في الاسبوع، وتقود خصومها الى حبل المشنقة، وتلقي باللوم على قطر وتركيا كلما حصلت كارثة في العراق. انها زعامات محظوظة لانها بقيت على العرش دون ان تنجز شيئا. وبقيت تمسك بالثروة دون ان تمنح شيئا. زعامات تبقى حية وجمهور يبقى ميتا.rnمسؤولونا فرحون بتشييد مئات المجسرات فوق شوارع اكلتها الاوساخ والبؤس وانتشر فيها المتسولون. قادة امننا يغسلون اعترافات المتهمين في ماكنات تلميع السيارات. صاحب الجلالة يعدم نائب رئيس الجمهورية وينفق نصف ميزانية المغرب، على امن العراق غير المستتب. وكل هذا يحصل دون جدوى، فهي هزيمة للجلد والعظم.rnrn

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram