TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > حرف علّة :حكاية شاعرة

حرف علّة :حكاية شاعرة

نشر في: 10 سبتمبر, 2012: 06:39 م

rn عواد ناصرأحست إليزابيث بيشوب، وهي في سريرها الصغير، بفكرة غريبة خطرت على بالها لم تعرف من أين جاءت ولا إلى أين ذهبت، فكتبت كلمة أو أكثر على مخدتها، على شرشف المخدة الأبيض، حتى غلبها النوم، وعندما استيقظت فجراً تذكرت تلك الكلمة، أو أكثر، فنظرت إلى شرشف مخدتها الأبيض، لعلها تجد ما كتبته البارحة، لكنها لم تجد شيئاً.rnأين ذهبت الكلمات.. من أين جاءت وكيف غابت؟rn
rnتلكم كانت البداية قبل أن تحصل إليزابيث بيشوب، الشاعرة الأمريكية (1911-1979) على أول دفتر لتغمرها سعادة غريبة كأنها عثرت على كنز.. كأنها عثرت على الشعر، لتبدأ رحلة التيه من الشعر إلى المدن البعيدة، فالشعر يضيق بالمكان الثابت والزمان المتكرر، القصيدة رحلة إلى المجهول في مكان آخر وزمان آخر.. هكذا جاء عنوان مجموعتها الشعرية الثالثة (أسئلة السفر – 1965) ليمثل تجربتها في السفر التي اتخذت شكل التيه، لكنها كتبت قصائد المجموعة التي نقشت فيها حياة التجوال ، بعد ترحال متكرر عبر أوروبا وشمال أفريقيا، لتستقر أخيراً في فلوريدا (كي ويست) لبضع سنوات تعرفت خلالها على الشاعر روبرت لويل الذي صار صديقها (الأدبي) المقرب وذا التأثير الهائل في مسيرتها الشعرية.rnحظيت هذه الشاعرة، بعد سنوات الحيرة والترحال بمكانة رفيعة إذ عدها النقاد إحدى الشخصيات الشعرية الأمريكية اللامعة في القرن العشرين، لما عرف عنها ذلك التفاني في عملها على ما يمكن تسميته بـ (الحرفية المثالية)، وأطلقوا عليها صفة "كاتبة الكاتب"، ثم نيلها أرفع لقب في بلدها: (شاعر الولايات المتحدة الأمريكية).rnبعد الحرب العالمية الثانية نشرت أولى مجموعاتها الشعرية بعنوان (شمال وجنوب - 1946) التي استقبلت نقدياً بشكل جيد، غير أن بيشوب لم تزل تشعر بالغربة، الأمر الذي جعلها تقبل على تعاطي الكحول الذي لازمها كمشكلة غير قابلة للحل بقية حياتها.rnثمة اشتباك لا بد منه يخوضه الشعراء الحقيقيون بين منشودهم وواقعهم، لتصبح الخمرة، كما يتوهمون، حلاً من الحلول، لتلازمهم مرضاَ على شكل إدمان.rnالتقت بيشوب، في البرازيل، المعماري الناجح والمهندس الذكي لوتا دي مارسيدو سواريز الذي وفر لها بيتاً شمال ريو دي جانيرو، فتحررت من أي أعباء مالية، وكانت من أكثر الفترات السعيدة، غزيرة الإنتاج، في حياتها "التي عنت لها كل شيء" حسب تعبيرها، لتعيد نشر ديوانها (شمال وجنوب) مع إضافات جديدة وضعت له عنوان (ربيع بارد)، لتحقق مزيداً من الانتشار والنجاح الذي تكلل بفوزها بجائزتي بوليتزر والكتاب الوطني، وفي عام 1976 فازت بجائزة Neustadt international (جائزة نيوشتاد الدولية للآداب)  لتصبح أول امرأة تفوز بهذه الجائزة، قبل أن تفارق الحياة بسبب نزيف بالمخ عام 1979 ببوسطن.rnرغم النجاح الذي حققته لم تزل تشعر بعدم الثقة بالنفس وبأن العالم بحاجة إلى مزيد من الجهد ليصبح مقبولاً، ولأنها لا تؤمن بأي فكر ديني أو سياسي، فقد نبع جوهر موقفها إزاء العالم من أعماقها الذاتية النقية، لتزداد معاناة بينما يزداد العالم من حولها قسوة، فتزيد جرعاتها من الكحول، لكنها تزيد قصيدتها حرفية وجمالية، وأسهم انغماسها في المناظر الطبيعية من حولها في منحها قوة نفسية وشعرية معاً.rnتلك الفتاة التي لم تجد كلماتها على شرشف المخدة، ما زالت تثير الجدل، بين فترة وأخرى، بشأن سر عبقريتها وقوة شاعريتها حتى أن أحد النقاد كتب محللاً عالمها الإبداعي، في وقت لاحق، قائلاً: أعتقد أن بيشوب كانت تكتب وهي في لحظات عري روحي نادرة إلى الحد الذي حطمت فيه حتى النمط الإملائي للكتابة.rnrn

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram