ترجمة: عبد الخالق عليهل نحن محكومون بعمليات اللاوعي؟ علم الأعصاب يعتقد ذلك – لكن أليس حالة الإنسان أكثر تعقيدا من ذلك؟ اثنان من الخبراء يقدمان رأيين مختلفين هما ديفيد ايغلمان، عالم الأعصاب في كلية طب بايلر في تكساس، و ريموند تاليس، الأستاذ السابق في طب الشيخوخة في جامعة مانشستر .
من المؤكد أننا مرتبطون بالمادة الغريبة الموجودة داخل جماجمنا و التي تزن 3 أرطال. الدماغ هو شيء غريب تماما عنا لكن مع ذلك فان شخصياتنا و آمالنا و مخاوفنا و طموحاتنا تعتمد كلها على سلامة هذا النسيج البيولوجي. كيف نعرف ذلك؟ الجواب هو أن شخصيتنا و قراراتنا و هربنا من المخاطر و قدرتنا على رؤية الألوان او تسمية الحيوانات كلها تتغير مع تغير الدماغ لأسباب مثل الأورام و الصدمات و تناول المخدرات و الأمراض. الوجودان العقلي و الجسدي غير منفصلين عن بعض كما نعتقد ، و هذا يوضح بعض جوانب وجودنا و في نفس الوقت يزيد من غموض جوانب اخرى . خذ مثلا، عمليات اللاوعي الالية التي تجري تحت مظلة الوعي الإدراكي. لقد اكتشفنا أن اغلب أنشطة الدماغ تحدث عند المستوى السفلي: الوعي – الذي يومض بالحياة عندما نستيقظ صباحا - هو مجرد جزء صغير جدا من العمليات. هذا الفهم يعطينا فهما أفضل عن التعددية المعقدة التي تتكوّن منها الشخصية. الشخص ليس كيانا واحدا لعقل واحد، وإنما الكائن البشري مبني من عدة أجزاء كلها تتنافس على ادارة الدفة . نتيجة لذلك يكون الانسان دقيقا، معقدا و متناقضا. نحن نتصرف بأساليب يصعب أحيانا اكتشافها بالفحص البسيط. لمعرفة أنفسنا فإننا نحتاج الى دراسات متأنية عن الركيزة العصبية التي نتكون منها. يقول الأستاذ تاليس بان كل ما فينا من أحاسيس و غيرها يتطلب دماغا له نظام فعال، لكن الدماغ هو ليس كل ما فينا و ليس صحيحا ان افضل الطرق لفهم أنفسنا هي النظر إلى الركيزة العصبية التي نتكون منها. السبب في ذلك أننا لسنا مجرد أدمغة فقط وإنما نحن جزء من مجتمع من العقول، عالم بشري بعيد عما يمكن ملاحظته في الأدمغة حتى لو كان هذا المجتمع ناشئاً عن الأدمغة. هذا عمل ترليونات الأدمغة على مدى مئات آلاف السنين. إن محاولة فهم مجتمع العقول عن طريق تصوير النسيج العصبي تشبه محاولة سماع همس الغابات بوضع السماعة على جوزة البلوط . من الطبيعي أن نشاط الدماغ هو نشاط آلي يجري تحت مظلة الوعي الإدراكي إلا أن هذا لا يعني أن واحدنا إنسان آلي أو أننا لا نعي أسباب قيامنا بالأشياء. إن الوعي هو جزء صغير في الدماغ لدرجة أن قراراتنا الشخصية المهمة – مثل اختيار الزوج أو مكان السكن – تديرها آلية الدماغ التي لا ندركها. أما ايغلمان فيقول إن استخدامات علم الأعصاب تعتمد على السؤال المطروح. التحقيق بشأن الحروب يتطلب فحصا لما يتم استشفافه بين العقول وليس فقط في داخلها. في الواقع ان الأدمغة و الثقافة تعمل معا في انشوطة تغذية استرجاعية، كل منها تؤثر على الأخرى . مع ذلك فالثقافة تترك بصمتها في دورة دماغ الفرد. إذا تفحصت جوزة البلوط لوحدها فإنها تخبرك بكل ما يحيط بها – من رطوبة الميكروبات الى أحوال أشعة الشمس في الغابة -. بالتناظر فان دماغ الفرد يعكس ثقافته. آراؤنا عن الطبيعة و العادات و قواعد اللبس و الخرافات المحلية يتم امتصاصها داخل الدورة العصبية من الغابة الاجتماعية المحيطة بنا . من المفاجئ أن المرء يمكن أن يلمح ثقافة ما عن طريق الدماغ، فالآراء المعنوية تجاه البقر و الخنازير يمكن قراءتها من ردود الفعل النفسية للأدمغة في ثقافات مختلفة . وراء الثقافة هناك أسئلة مثمرة يجب طرحها عن تجربة الفرد، فتجربتك كإنسان – من الأفكار حتى السلوك الى الأمراض الى الأحاسيس – يمكن ان ندرسها في دماغك لكي نفهم كيف نرى العالم و لماذا نجادل انفسنا و كيف نقع ضحية للوعي الادراكي و سيل بيانات اللاوعي للمعلومات التي تؤثر في آرائنا . إن فهم حد الوعي لا يمكن تحقيقه ببساطة من خلال الحدس و إنما يتكشف من خلال الدراسة . هذا الحد لا يجعلنا بدلاء للإنسان الآلي، لكنه يقدم فهما اكبر لمنبع أفكارنا و حدسنا و معتقداتنا. أحيانا تكون هذه الدوافع جزءا لا يتجزأ من الوراثة و في أحيان اخرى تتشكل ثقافيا، لكن في كل الحالات تنتهي مكتوبة في نسيج الدماغ . يرد تاليس عن ذلك بالقول إن بعض ما ذكره ايغلمان يبدو شيئا فطريا و تراجعا عن الأطروحة الأساسية. لقد وضع ايغلمان آلية الدماغ الخاصة باللاوعي في المقدمة و يدّعي بان القرارات المهمة في الحياة تتأثر كثيرا بالآلية الخفية للاوعي. لقد ذكر ايغلمان بان اختيار شريك الحياة و مكان السكن تؤطرها أنانية ضمنية مبنية في الدماغ، و على هذا إذا كان اسمك يبدأ بحرف الدال فمن المحتمل ان تتزوج شخصا يبدأ اسمه بهذا الحرف و تعيش في مدينة تبدأ بنفس الحرف و تبحث عن وظيفة تبدأ بذات الحرف. اعتقد أن الإحصائيات متذبذبة، فهناك عدد كبير من المحامين و أطباء الأسنان تبدأ أسماؤهم بحرف الدال . الآن يتراجع ايغلمان عن موقفه السابق و يوحي بان الدماغ هو لاعب واحد و ليس مجموعة من الل
الدماغ... هذا الذي يجعلنا نفكر
نشر في: 11 سبتمبر, 2012: 06:47 م