ترجمة / عادل العامللقد ذكّرني تعبير الشاعر رايوتشي تامورا، و هو يطل على القارئ من غلاف كتاب ( رايوتشي تامورا : عن حياة ونتاج أحد أساتذة القرن الـ 20 ) ، بالقليل من صور الشاعر الأيرلندي و. ب. ييتس، و إن من دون النظّارة الأنفية و ربطة العنق. فهناك غطرسة مماثلة و مسافة إلى تامورا، و هو يلقي نظرةً باردة على العالم. و هي نظرة تنعكس في شعره و تنشأ بلا ريب من تجربته، كما يقول ديفيد بَرلي في عرضه النقدي هذا.
لقد ولد تامورا في عام 1923، و " كما هي حال الكثير من معاصريه، كان ما يشبه المنشق السياسي و الثقافي في السنوات المؤدية إلى الحرب العالمية الثانية "، كما تقول لنا مقدمة الكتاب، الصادر حديثاً بالانكليزية في الولايات المتحدة. و مع أن الشاعر كان ملزماً بالخدمة في القوات المسلحة اليابانية حين بدأت الحرب، فإنه كان متأثراً كذلك بشكلٍ كبير بترجمة قصيدة ت. س. أليوت الحداثوية العظيمة " الأرض اليباب The Waste Land " حين ظهرت عامَ 1940. و بعد الحرب، انظم تامورا إلى شعراء آخرين ليشكلوا جماعة باسم " أريتشي Arechi "، ( و تعني باليابانية الأرض اليباب ). وكانت الأرض اليباب المجسّدة بهذا الاسم تشير بالطبع إلى تدمير اليابان الذي واجه الشعراء. وكان تامورا واحداً من الأكثر صفاءَ ذهنٍ بين أولئك الذي يتلمسون طريقهم الآن إلى استجابة مناسبة. فقد كانت النغمة التي توصّل إلى تبنّيها منفصلة جداً :[ قصائدي أشياء بسيطةمثل قراءة رسائل من بلادٍ بعيدةلا حاجة إلى دموع . ]كما جاء في قصيدته " بلاد بعيدة ". و بدلاً من مسرحة dramatizing تجربة الحرب، فإنه يصوّرها على نحوٍ بارد، منحرف. وهناك صفاء روحي في هذه القصائد، لكن ليس إشفاقاً على الذات. وهناك أكثر من 45 صفحة مكرسة لمختارات منها على أيدي مترجمين مختلفين. و هذه تلي المقدمة، أما باقي الكتاب، فيتألف من مقالات عن الشاعر و نتاجه، و كتابات نقدية، و تذكّرات شخصية، و أحياناً مع قصائد مترجمة. و هناك صور فوتوغرافية للشاعر في مختلف مراحل عمره. و يمكن القول إن الكتاب عبارة عن توليفة جذّابة. و إحدى قطع الشاعر المشهورة عنوانها "أربعة آلاف يوم و ليلة "، و تلك تقريباً المدة منذ أن انتهت الحرب، و قد كتبها عامَ 1956 :[ من أجل أن نُنجب قصيدةلا بد من أن نقتل أولئك الذين نحبهمتلك هي الطريقة الوحيدة لإحياء الموتىوهو السبيل الذي يجب أن نسلكه ]وقد يبدو هذا غريباً و مصيباً بالقشعريرة، لكن، كما يلاحظ كريستوفر دريك في في مقالة رائعة عن تامورا، فإن أقوى الكلمات التي سمعها الشاعر على الإطلاق هي تلك التي أعلنت بداية الحرب الباسفيكية، و ، فيما بعد، خاتمتها حين استسلمت اليابان. والمشهد موحش في أعقاب الحرب، لكن الشاعر يراه بوضوح :[ في خيالك الأعمى هذا العالم برّيةٌ للصيدحيث أنت صياد في الشتاءتحاول على الدوام أن تغلق على قلبٍ فرد ]ويستمر قائلاً "أنت لا تثق بالكلمات " في قصيدة " سطر رقيق "؛ و مع هذا، فإن اللغة هي الأداة الوحيدة في متناوله. و مواجهة الخواء، التجربة المختلفة كلّياً، تتطلب لغةً جديدة، و هذا ما يحاول تامورا صياغته بشكلٍ واضح. إن من الصعب، في الترجمة، بالنسبة لنا تثمين الطرق الجديدة علينا، لكن المقالات المصاحبة تقدم لنا العون هنا. فالكاتبة ميهو نوناكا، مثلاً، تناقش مفصّلاً بعض القصائد النثرية الأخّاذة، مكمّلةً التعليقات عليها بواسطة الناقد البارز أوكا ماكوتو. و هكذا يتوسع المجلد، مع المساهمات المتعلقة بالشاعر و أدبه. و تصبح طبيعة صعوبة الشاعر و الأسئلة المتعمقة التي يطرحها ميتافيزيقية تقريباً. و يضخم لورنس ليبرمان، و هو شاعر أميركي، هذه الصورة بتقرير عن لقاءاته مع تامورا في اليابان. و هناك قصيدتان ممتعتان قرب نهاية المجموعة، إحداهما في توديع ليبرمان عند رحيله، و الأخرى تصف زيارةً له إلى الشاعر الانكليزي و. هـ. أودن في نيو يورك.و حتى هنا ، مع هذا، هناك رفض للعاطفية، و هو ما يستمر حتى النهاية. و لم يتيسر لنا أن نعلم، إلا في المقالة النهائية، أن تامورا قد مات في عام 1998. و تخبرنا تاكاكو لينتو، و هي محررة الكتاب أيضاً، أن الشاعر لم يكن راغباً في أن يعيش إلى القرن الجديد، و هكذا حصل على ما أراد.عن / The Japan Times
تامورا .. وهذا العالم الموحش!
نشر في: 11 سبتمبر, 2012: 06:50 م