مازن الزيديقبل أيام استذكر إعلاميون وناشطون مدنيون الذكرى الأولى لاغتيال زميلهم الفنان والإعلامي هادي المهدي، ولم يكن ذلك الاحتفال يليق لا بالراحل ولا بما يمثله من رمزية للحراك المدني في العراق منذ 25 شباط 2011.
وبخلاف الذكرى الأولى لانطلاق احتجاجات شباط التي مرت مرور الكرام من دون إحياء يليق بها، فان الذكرى الأولى لاغتيال المهدي كان يتوقع لها أن تكون مختلفة بكل المعايير والمقاييس خصوصا وانها جاءت بعد يومين فقط من "صولة قندهارية" استهدفت النوادي الاجتماعية التي تشكل احد رموز التعدد والتسامح التي ميزت هوية مدينة بغداد عن غيرها.للأسف لم يرتق استذكار هادي المهدي للتحديات التي تواجه مجتمعنا ابتداءً من موجة التطرف والتشدد الآخذة بالاستفحال وليس انتهاءً بغول الاستبداد الذي يضرب في كل مفاصل الدولة منذ خروج الأمريكان مستغلا انشغال المجتمع الدولي بما يدور حولنا من إعراض الربيع العربي.وبرغم ايماني بصدق نوايا من أصر على إحياء ذكرى هادي، لكن الحفل والتحضير له اتسما بنوع من العفوية والتساهل لم يكونا يتناسبان وأهمية فضاء الاحتجاج المدني الذي كان من المفترض ان يعاد التذكير به من على منبر المناسبة.كل ما شهدناه وحضرناه في ذلك المكان المظلم والمنعزل، مساء السبت الماضي في شارع ابي نؤاس، لم يجلب انتباه سائق تكسي كان يمر بالجوار، فضلا عن أن يشكل محطة تلفت انتباه 30 مليون عراقي منشغل بهموم المعيشة عما يتشكل حوله وباسمه لفرض نمط معين من التفكير والحكم وشطب الآلاف السنين من تاريخ التعايش والتنوع في هذه البلاد.ما يدعو للأسى ايضا ان حراكنا المدني، بما يضم من أصوات ومنظمات، ما زال ينزف رصيده يوما بعد آخر، وهو لا يتقن فن استثمار الفرص، بل مازال يؤمن بالتظاهر والاحتجاج لأجل التظاهر والاحتجاج، وهو يواصل عجزه عن بلورة خطاب متماسك يعطيه زخما وقوة وتأثيرا أو حتى تعاطف المجتمع على اقل تقدير.هذه الخسارات والإخفاقات، المقصودة وغير المقصودة، أفقدتنا، نحن دعاة الدولة المدنية، ثقة الشارع وتعاطفه، فلم تعد صفعات "حكومة الحجي"، بنظر المجتمع، سوى جهاد في سبيل تطهير المجتمع من القاذورات والعملاء والبعثيين والى آخر ذلك من التهم الجاهزة. بالمقابل لم يعد صراخنا ودفاعنا بوجه السياسة الممنهجة، التي تنفذها حكومة المالكي، بنظر الشارع سوى دفاع عن حانات ومواخير وعاهرات، فالقضية تختصر بهذه البساطة وبهذا الشكل من التشويه والتزييف الذي أتقنه خلفاء صدام.يبدو لي أن الصوت المدني لم يصل للنضج الكافي الذي يمثل حالة حقيقية راسخة وسط المجتمع، فهو ما زال مجرد ضيف خجول مرتبك لا يحسن التعبير عن مطالبه بوضوح وصراحة.ما زال الكثير منا يخشى انتقاد السائد سياسيا واجتماعيا خشية ان يحسب على فريق المالكي او فريق علاوي. فلا يؤمن الكثير منا بان "الصوت المدني" اكبر من معارضة المالكي او تأييد علاوي، وهما ابرز رموز الصراع السياسي حاليا، انه مسؤولية إبقاء الضمير الجمعي العراقي يقضا أمام محاولات الاستغفال والتلاعب بالمشاعر الذي تمارسه مختلف الأطراف.الكثير منا يقف حائرا بين نموذجي علاوي والمالكي، فنقد الثاني يصب في صالح الاول والعكس صحيح، وهذا ما يشكل مأزقا كبيرا لم ينجح الصوت المدني بالخروج منه لا سيما في ظل اجواء الاستقطاب الطائفي والاثني الذي يسود البلد.ما يجمعني بعلاوي أو المالكي هو قربهما من النظام الديمقراطي المؤمن بالتداول السلمي للسلطة والفصل الكامل للسلطات. فعلى هذا الأساس يجب توجيه اقسى أنواع الهجاء لرئيس الوزراء عندما يحاول احتواء المؤسسة القضائية وتعطيل السلطة التشريعية، والتمادي في تربية أظافر الاستبداد.لكن في الوقت ذاته لن يتم التسامح مع علاوي وقائمته وبقية القوائم الكبرى اذا ما انخرطوا في لعبة المحاصصة وغضوا السمع والابصار عن محاولات ضرب الاساس المدني للعراق الجديد.الصوت المدني في العراق، والذي كان هادي المهدي يمثل احد شخوصه، ابعد من الاصطافات السياسية فهو ليس معارضة ولن يكون موالاة بالتأكيد، انه روح الشعب التي تمثلها الأصوات البيضاء الناصعة.إنها أمانة التحذير من العودة للماضي، والتحذير من إعادة إنتاج ديكتاتورية قد تكون دستورية هذه المرة.
نقطتين شارحة: أبعد من المالكي وعلاوي
نشر في: 12 سبتمبر, 2012: 08:14 م