TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > قرطاس: طفل مرعوب يمسك بعباءة أمه

قرطاس: طفل مرعوب يمسك بعباءة أمه

نشر في: 16 سبتمبر, 2012: 06:58 م

 أحمد عبد الحسينفي الديمقراطيات المشكوك بها، من يصل إلى الحكم أولاً يمكث طويلاً وربما إلى أن يتذكره الله ويقدس سره بعد عمر طويل. ليس بسبب رغبة ذاتية في الحكم والتصاق بنعيمه فحسب، بل لأنّ مقدرات الدولة كلها أصبحتْ بيديه يوجهها يميناً أوشمالاً، ينفق فيها دون وجع قلب على كلّ ما يديم سلطانه،
وأيضاً لأن الرعية المطيعة عادة تثق تقليدياً بصاحب السلطة بناء على ثقافة مترسخة فيهم مؤداها أن الشين الذي تعرفه خير من الزين الذي لا تعرفه. ورأينا كيف أنّ تمسّك الشعوب بأذيال حكوماتها تمسّكَ الطفل المرعوب بعباءة أمه منع فرصاً كبرى للتقدّم وفوّت على هذه الشعوب أن تخرج من هوياتها الصغرى إلى رحابة المكوّن الاجتماعي الأكبر في دولة تستحق اسمها.العراق نموذجُ هذا العصر للدولة ذات الديمقراطية غير الأكيدة، هناك انتخابات، ومفوضية انتخابات يقال إنها مستقلة، وهناك قضاء يحرص الجميع على القول انه منفصل عن سائر السلطات وهناك أحزاب ترفض أن يُسنّ لها قانون أحزاب، وهناك منظمات مجتمع مدنيّ تدور حول أغلبها شائعات تبتدئ بعدم جدواها وتنتهي بقيام أعضائها بسرقات فلكية شأنهم شأن الساسة، وهناك ما هو أفدح، مجلس وزراء يفترض أن رئيسه يشكل فيه مجرد صوت واحد حاله حال أيٍّ من وزرائه، لكنّ رئيس الوزراء آمر ناهٍ، وهناك حمّى الاستيلاء على أكبر عدد من المناصب في آن واحد بسبب عدم ثقة الشخص الأوحد بمن حوله.الشخص الذي وصل السلطة بـ"الديموقراطية" ـ التي تعني عندنا مجرد الانتخابات ـ لن يعطيها، بل لن يعطيهما معاً لا السلطة ولا الانتخابات، سيحرص على أن تكون كل المؤسسات والآليات التي تسهم بصناعة الانتخاب وتحفّ به موجودة في يديه الكريمتين، أكثر من ذلك سيعمد إلى فتح خزانة الدولة "التي سيطر عليها بالديموقراطية" من أجل إدامة ديمقراطية تديم حكمه.اللغط الحاصل اليوم حول قانون البنى التحتية ليس أكثر من إعدادٍ مقصود للتهيئة للانتخابات القادمة، يريد ائتلاف دولة القانون "الذي هو المالكي والمالكي هو" أن يمرر القانون الذي يسمح ببناء مشاريع بالدفع الآجل رغم اعتراض سائر الكتل، فالقانون مبهم، نواب استغربوا أن يرفع للتصويت عليه، السيدة رئيسة لجنة الخدمات في البرلمان قالت ""لا يمكن أن نعطي صكاً للحكومة بـ37 مليار دولار مقابل قانون بورقتين ورؤوس نقاط بسيطة وبدون تفاصيل"، فإذا عرفنا أن هذه الـ 37 مليار دولار ستصبح بعد أربعة أعوام فقط 50 مليار دولار، لن يتبقى أمامنا لفهم إصرار المالكي على تمرير القانون ولو بالصفقات إلا العودة إلى الكلمة السحرية: البقاء في الحكم، فالانتخابات قادمة، وبعد سنة من الآن يمكن أن تبدأ الشركات "المدفوع لها بالآجل" عملها، وسيعلو الغبار ونرى الرافعات أخيراً في العراق، وسنرى عمالاً متربين وسيظهر المالكي كلّ يوم ليقول إن هناك بناء أخيراً يا شعبي العظيم بدأته في اليومين الأخيرين من ولايتي الثانية فانتخبوني. والناس ستصدّق، دائماً تصدّق، وستعلو الأهازيج وتعم الأفراح ويردح الرادحون وتأتي مادلين مطر يرافقها فراس الغضبان وتنثر الفلوس وكارتات التلفونات من الطائرات المروحية ونهوّس شيباً وشباناً: ما ننطيها .. ما ننطيها!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram