د فاضل سوداني يعد الحنين إلى الماضي وتأثيره في الحاضر موضوعاً أثيراً في الأدب والمسرح عموما ... وهذا ما افترضه عرض الليالي التونسية البيض ـ أو مقطوعة خريف ـ من إخراج الفنان التونسي حاتم دربال وتأليف شيماء بن شعبان.
rn وقد عولج موضوع المسرحية بأسلوب الكوميديا السوداء سواء في فعل الشخصيات أو مسار الأحداث. لذا فان المؤلفة بنيت موضوعها على الماضي كمنطلق جوهري. rn(حيث تعود مريم إلى منزل العائلة الذي ولدت فيه بعد غياب طويل يصحبها زوجها بحثا عن آخر مقطوعة موسيقية ألفها والدها "راحة الأرواح". وتكشف عن نيتها في إعادة كتابتها من جديد تكريما لروح الأب. انه رجوع مفاجئ.,. عكر على العائلة rn"الأخت الصغرى والعم والكثير من ذكرياتهم" صفو الهدوء وحياة الرتابة التي اعتادت عليها. انه رجوع يبعث بعد سنوات من الصمت والنسيان ذكرى ألم قديم ..وجرح عميق هو انتحار الأب).rnفالعرض إذن حكاية الوحدة والخوف من المستقبل والماضي الذي تلاشى وراء الهزيمة واليأس.rnإن عودة البطل التراجيدي إلى المكان والزمان الأول هي عودة نحو الهاوية التي تشكل مأساته الحاضرة من جديد. rnوبما أن الشخصيات معزولة في وحدة قاتلة فقد تعاملت بلا حميمية في ما بينها. كل واحد منهم يثرثر ويفكر بعالمه أو كابوسه الخاص. إذن هذا العرض حاول تناول ثلاثة أبعاد متداخلة هي :rnـــ شاعرية الماضي وتداخله في الحاضر… rnـــ عذابات الذاكرة.rnـــ ومشكلة الحاضر الآن .. وهنا ممتزج بالوحدة والخوف من المستقبل. rnوقد حاول العرض من خلال استنطاق الذاكرة الجماعية … خلق تلك الحياة التي تتسم بالشفافية والحنين والحلم كمعادل موضوعي لواقع حياتنا المترعة بالخشونة والقسوة.rnوقد ساعدت السينغرافيا والفكر الإخراجي خلق ثلاثة أبعاد واضحة لذاكرة الماضي من خلال حدوثها في ثلاثة أماكن مختلفة.rnوكما أكد العرض وجود التداخل بين الماضي والحاضر، فان التداخل بين الواقع والحلم كان واضحا في جوهر العرض. وبالرغم من انه بمجمله مبني على الحلم الشفيف او الكابوس، إلا انه يطمح أن يكون كل شيء فيه واقعيا. rnفالمسرح المعاصر يعتمد على غنى علاقة الممثل بالأشياء والمواد المحيطة به، وتتغير وظائفها عادة بتغير إيقاعها نتيجة لطبيعة تعامل الممثل معها، أي العلاقة بين جسد الممثل وهمس الأشياء، فيصبح لها كيانها وجوهرها ورمزها من خلال مدلولاتها في الفضاء وبالذات فضاء الطقس المسرحي. فحركة الممثل في العرض المعاصر يجب أن تبنى على إنتاج المعنى او اللامعنى في الفضاء ، وكذلك إنتاج الدلالات لاكتشاف اللغة المسرحية ...وقد حاول المخرج حاتم دربال أن يحقق هذا الأسلوب عن طريق خلق المكان حركيا وإغناؤه زمنياً . rnانه عرض حول التلصص على الذات الأخرى حيث كل واحد يتلصص على الآخر . أو انه عرض يسخر منا جميعا ومن تلك العادات اليومية المبنية على الأنانية الضيقة أو تلك التي يتحول فيها الإنسان إلى كائن مشوه آخر، انه عرض ينحو بشفافيته ـ التي تفتقر لها الكثير من العروض العربية ـ للدخول في عوالم الحنين إلى ماضي الإنسان. rnrn
توهج الذاكرة..همس الليالي في المسرح البصري
نشر في: 17 سبتمبر, 2012: 06:42 م