عامر القيسيإنما الدين النصيحة، والنصيحة تعني أن تقدم للآخرين أفكارا وحلولا لمحنة يمرون بها، وعادة ما تقدم النصيحة للأصدقاء والأشقاء وفي بعض الأحيان تقدم حتى للأعداء من باب تجنب أذى مشترك قد يصيب الطرفين معا.
السيد المالكي مغرم -على ما يبدو- بتسويق تجربة العملية السياسية الجارية في البلاد، فالرجل عندما التقى الوفد الليبي قبل فترة من الزمن، قدم لهم مقترحا بالاستفادة من تجربتنا على قاعدة المشتركات بين الوضعين،كالتخلص من الدكتاتورية بفعل عامل أجنبي باستخدام القوة، وعاود المالكي تسويقه تجربتنا عندما اقترح على وفد من المعارضة السورية، هناك أحاديث وشكوك عن تمثيله معارضة حقيقية، أن يستفيدوا من تجربة العراق الرائدة والنموذجية على قاعدة مشتركة في أننا تخلصنا من النظام البعثي بقوات العم سام وهم في الطريق إلى فعل ذلك ولكن بأيديهم!لكن السيد المالكي لم يقل لنا ولهم عن نوع التجربة ومقدار الاستفادة منها..هل يستفيد الأشقاء من تجربة مرّت عليها تسع سنوات بالتمام والكمال وما زالت عاجزة عن تحقيق مصالحة وطنية حقيقية، ودليلنا البحث الجاري عن المؤتمر الوطني الذي مازال الخلاف جاريا على تسميته وجدول أعماله؟هل يقتدي أشقاؤنا بتجربة التفرد بالحكم والاستحواذ وإقصاء الآخرين وتهميشهم؟هل ينهل إخوتنا من تجربة بلاد مسرطنة بداء الفساد المالي والإداري بشهادة منظمات دولية واعترافات حكومية صريحة،فأصبحنا ثاني دولة في العالم في هذا المجال الرائد في الحفاظ على المال العام؟هل نقدم لهم تجربة غارقة بالمحاصصة الطائفية والعرقية والتكالبات الحزبية على المناصب والكراسي والامتيازات؟هل نقول لهم استفيدوا أيها الأشقاء الأعزاء من تجربة بلد نفطي غني جدا يعيش ربع سكانه بالتمام والكمال تحت خط الفقر وفق المعايير العالمية وتحيط عاصمته أحزمة فقر تتوالد باستمرار؟هل بإمكاننا أن نقدم لهم نموذجا للسيطرة الأمنية وتحقيق الأمان للمواطن عندما يحدث في يوم واحد، بوجود مليون عسكري، خمسة عشر تفجيرا يتساقط فيها الضحايا بالمئات بين شهيد وجريح؟هل نقدم لهم تجربة نموذجية في "استقلالية " قرارها السياسي الذي يرسم في معظم الأحيان خارج الحدود وينفذ داخل البلاد؟هل نساعدهم في تجربتنا على تشكيل حكومات قادرة بإبداع ومهنية على أن تخلق الأزمات وتعيد إنتاجها متى كان ذلك ضروريا لها كما هو حال حكومتنا المبجلة؟هل نقول لهم هذه تجربتنا المترعة بالفتاوى والانتهاكات الصارخة للحريات الشخصية والعامة فطبقوها لديكم فتريحكم من شر الديمقراطية وحقوق الإنسان؟لا ندري حقيقة ما الذي يعجب السيد المالكي في بضاعتنا الفاسدة لكي يصر على تسويقها للأشقاء.. وإذا كان يعتقد أن كل هذه الكوارث بالإمكان حلّها وتجنبها فلماذا هي حتى اللحظة تشكل المشهد الواقعي جدا في البلاد؟الليبيون محظوظون في أنهم لم يستمعوا لنصائحنا وقدموا لنا تجربة بإمكاننا أن نستفيد منها، خصوصا في انتخابات شهدت صوتا حقيقيا للمواطن بعيدا عن التأثيرات الميتافيزيقية التي وقعنا فيها!ولا نعتقد أن السوريين مغرمون بتجربتنا وهم يرصدون بألم التعاطف الخفي لحكومتنا مع قاتلهم بشار الأسد، والأكثر إيلاما في رصدهم هذا رؤيتهم بوابات حدودنا وهي تغلق بوجه الأطفال والنساء الهاربين من الموت البعثي! عن أي تجربة يتحدث السيد نوري المالكي؟الجواب نسمعه منه فقط لاغير!
كتابة على الحيطان: نصائح مؤذية جداً!
نشر في: 17 سبتمبر, 2012: 08:24 م