سرمد الطائيلازلت افكر فيما قاله اكثر من مسؤول قابلتهم خلال الاونة الاخيرة، وهي اننا ننفق مالا طائلا على مشاريع تنفذ بطريقة خاطئة ودون المواصفات، واننا نفتقد للشركات الكفوءة وللجهات الاستشارية الكافية لعدد المشاريع الكبير في العراق.
والسؤال الذي اطرحه دوما على الاخوان في المناصب التنفيذية هو: ما السر في عدم استعانتنا باستشارات اجنبية رفيعة لتجنب الاخطاء المتكررة في عملية الاعمار والتنمية بدءا من تبليط الشوارع وانتهاء بتصميم المدن واتخاذ القرارات التي تمس شؤون العمران وادارة الانسان؟وهو سؤال لم احصل على اجابة شافية بشأنه، سوى ان الاستشارات الاجنبية الرفيعة مكلفة وتضيف مبالغ كبيرة على ميزانيات المشاريع، او ان الاحزاب وحلفاءها من التجار والمقاولين لا يحبذون هذه الاستشارات لانها ستجبرهم على ان يكون مقياس الانجاز لديهم مطابقا لمقياس الانجاز في كوريا الجنوبية، وهذا يعني ضرورة شراء مواد بناء اغلى ثمنا، ومعدات وتجهيزات اعلى سعرا، ووضعا للكوادر الهندسية والفنية مختلفا عما هو سائد لدينا وسط الفوضى ودخان البنادق وعمولات تجار الازمة وانقساماتهم السياسية العميقة.وعلى اي حال يبدو ان قانون البنى التحتية وديونه الكبيرة، سيواجه رفضا واسعا داخل البرلمان وستتأجل الفكرة حتى اشعار آخر، لكن المقترح جعلني افكر بسد فراغ "الاستشارات الرفيعة" التي تفتقدها البلاد، وافكر بحاجتنا الى شراء خبرة وشراء معرفة وشراء تجارب جديدة، وأشعر ان المسألة تستحق ان "نقترض" من اجل ان نحصل على خبرات كهذه لو لم يكن لدينا المال الكافي لذلك.وما اعنيه ان البرلمان اذا كان يخشى صفقة المالكي هذه، فإن عليه ان يفكر جديا بالمصادقة على قانون اخر يبرر لنا ان نقترض، ولكن لا لنبني، بل لنشتري من الدول الشقيقة والصديقة، مستشارين حقيقيين وخبراء لديهم سجل حافل في حقل التنمية.والاستشارات التي نحتاجها والتي ازعم انها تستحق ان نكبل العراق ببعض المليارات من اجل استجلابها للبلاد، لن تقتصر على تقديم الاستشارة في مجال مواد البناء والتصاميم وانشاء البنى التحتية. بل نحتاج ايضا لمستشارين يجلسون الى جانب السيد رئيس الحكومة ليحاولوا اقناعه بعدم خلق 50 عدوا كل نصف ساعة. ومستشارين يسعون الى جعله يتخلى عن افكار من قبيل ان افضل حل للتعايش مع البرلمان هو اخفاء المزيد من ملفات الفساد وتهديد خصومه بها. ومستشارين يحاولون ان يجعلوه يكف عن تصريحات من قبيل انه يعلم بجرائم ارتكبها نائب الرئيس المتهم، قبل 3 اعوام لكنه كان ساكتا عنها.ونحتاج مستشارين يجلسون الى جانب الكتل المعارضة للمالكي كي يشجعوهم على لعب دور رقابة حقيقي، ويحددوا لهم الاولويات التي تستحق ان يسجلوا مواقف بشأنها، ويقنعوهم بالكف عن التورط في الصفقات الفاسدة كي لا يقايض المالكي بها مواقفهم المشرفة وغير المشرفة.نحتاج نحن الشعب ايضا الى مستشارين ينهمكون معنا في عملية فك لأحاجي وألغاز عديدة، ويساعدوننا في فهم اللغز الكبير الذي ابتليت به بلاد لديها مال وفير لكنها تخفق في رفع الازبال من شارع السعدون في قلب العاصمة، او تعجز عن انشاء محطة تحلية مياه في اغنى مدينة عراقية ظل سكانها يستخدمون ماء البحر في تمشية حياتهم طيلة الاعوام الاربعة الماضية، او لغز اجهزتنا الامنية التي لا تزال تستخدم جهاز كشف متفجرات يقول الجميع انه لا يعمل.لدينا ألغاز كثيرة بحاجة الى الحل يعرفها القراء اكثر مني وفي وسعهم سردها بشكل مطول. ونريد ان نرى ارفع المستشارين الى جانب "قياداتنا الحكيمة" كما هو الحال عند جيراننا اهل الخليج. فقد اعترفوا قبل قرن من الزمان بأنهم ناقصو حيلة وخبرة، لكن لديهم عقل راجح ارشدهم الى الاستشارة الاجنبية وأتاح لهم بناء ما بنوا حتى الان. بينما نصر حتى هذه اللحظة على ان قياداتنا الحكيمة في غنى عن اي خبرة مستوردة "عميلة وكافرة"، وبالتالي فإننا نصنع كل هذه "الكاريكاتيرات العمرانية" في وسط اعرق مدن الشرق الاوسط، ونصنع اكثر المشاهد السياسية اثارة للسخرية وسط صراع الجبابرة في الشرق الاوسط.ان الاستشارة هي نوع من وصاية الناضج على عديم الخبرة، او وصاية الكبير على الطفل. ويبدو اننا مرتهنون بطاقم من الاطفال في الحكومة والمعارضة، اعمارهم العقلية اصغر بكثير في معظم الاحيان، من اعمارهم الجسدية. انهم بحاجة الى "لون متحضر من الوصاية" كي نحدث فرقا في حياتنا. والى ان نعترف بذلك فإننا سنخسر المزيد من الوقت والمال والدم
عالم آخر: العمر العقلي للمسؤولين
نشر في: 17 سبتمبر, 2012: 09:01 م