احمد المهنافي حفل افتتاح معرضه التشيكيلي، المقام حاليا في المركز الثقافي العراقي بلندن، قال الرسام يوسف الناصر انها الفعالية الأولى له في مؤسسة رسمية عراقية. وهي اشارة الى ان الطريق أصبح سالكا الى الوطن بعد منفى مديد، وتذكرة جديدة بمناسبة ظلت جديدة رغم انها باتت نوعا ما قديمة.
ضم المعرض تسع لوحات تنتسب الى مشروع يعمل عليه عنوانه "مطر أسود". وموضوعه حرب 2003. والعنوان يحمل مفارقة مؤلمة الوجهين في تلك الحرب. هل ستكون المطر بعد أعوام الجفاف؟ هل ستنهي أقسى أنواع الشدائد أسوأ أنواع الدكتاتوريات؟ هل يمكن للمأساة العابرة أن تكون حلا للمأساة المعمِّرة؟ هل يمكن للعاصفة ان تكون حلا؟ ومن يتقبل ثمن هذا الحل اذا تحقق؟وهكذا جاء العنوان حلا ورؤيا للمعضلة. هذه الحرب هي "المطر الأسود". وهذا يمكن أن يكون أي شيء عدا أن يكون بردا وسلاما على بلاد اللهب. في تلك الأيام سكن ذلك المونولوغ المحتدم يوسف، كما لابد أن يكون قد سكن نفوس عراقيين كثيرين. وفي تلك الأيام بدأ العمل على مطره الأسود ولم ينته منه. وهل توقف ذلك المطر حتى يفعل يوسف؟اللون الأسود يحتل اللوحات احتلالا يكاد يمنع الأشكال والخطوط من الظهور للعيان. واذا ما انبثق البياض، الواضح في بعضها الأقل، فبفعل ضغط السواد أيضا. و"الضغط" قد يكون الكلمة الملائمة في هذه الأعمال، فليس هناك تكوين أو حرف او خط جلس فيها مستريحا أو خامدا، وانما الكل محتشد ومتراكب كأنه في عالم الحشر. كما لو أن الحرب مازالت دائرة. انه بعد كل تلك الأعوام لايزال يرسم موضوعه بنفس الوتيرة، "ولايزال هناك الكثير من الألم" كما يقول.ويوسف قصة ألم. انه المشهود له كبلده بنقيصة جهل السعادة. في بداية السبعينيات جاء من العمارة الى بغداد، من عتمة الفقر الى أكثر أنحاء البلاد اضاءة: أكاديمية الفنون الجميلة. والقى نفسه في تيارات الثقافة والسياسة والحب. وهو عادة لا يهدأ ولا ينعس. وبادلته الدنيا بالمثل. فلم يكد يعرف بغداد، ويتخرج من أكاديميتها ويعمل قليلا، حتى وجد نفسه منذ 1978 دائرا جوالا رغما عنه بين لبنان، سوريا، قبرص، وأخيرا لندن.ومثلما تمنعه الدنيا من الطمأنينة فان نفسه لا تطاوع السكينة. ذات يوم جلسنا في مقهى. وأخذ الصديق الشاعر هاشم شفيق راحته كالعادة في احتساء القهوة. ولابت روح يوسف سيء العشرة مع القعدة، والعزيز المقرَّب للحركة، فانفجر بهاشم قائلا: خلصنا هي تيزاب لو قهوة! وكانت حركته بركة، وأمطارا ملونة، على مقاطعة (ايلنغ) في غرب لندن. فقد أنشأ فيها مركز "آرك" الثقافي عام 1996، الذي يقدم عروضا فنية وثقافية، كما يقيم مشاغل تدريبية في الرسم والمسرح والكتابة الابداعية والموسيقى. وسرعان ما تحول الى المنتدى الأهم من نوعه في المقاطعة.ولوقت طويل انشغلت الشرطة بملاحقة مراهقين يشوهون الجدران في المقاطعة بالكرافيتي. وهي جنحة كانوا يحبسون عليها. ولم يحل القانون المشكلة لكن يوسف فعل. خصص لهم جدارا بطول 12 مترا يملأونه ب"الكرافيتي الايجابي" كل اسبوع، ثم يمحى ليبدأوا اسبوعا آخر. وبذلك حوَّل "المجرمين الصغار" الى فنانين!وعند يوسف الناصر للعراق حلم، مشروع أنيق، سأخصه بحديث آخر. وما أسهل تحقيقه اذا غابت أشباح "المطر الأسود"، وأصبح الطريق الى الوطن سالكا دون قطوعات.
أحاديث شفوية: أمطار يوسف الناصر
نشر في: 17 سبتمبر, 2012: 09:06 م