TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > في الحدث: سليمان رشدي من جديد

في الحدث: سليمان رشدي من جديد

نشر في: 18 سبتمبر, 2012: 08:04 م

 حازم مبيضينأتاحت حالة الغضب الجماهيري, المندلعة في شوارع المدن الإسلامية, بسبب الفيلم الأميركي البائس, المسيء للمسلمين ونبيهم وديانتهم, الفرصة للمسؤولين الإيرانيين لإعادة بعث الفتوى, التي كان الإمام الخميني  قد أصدرها عام 1989, وأهدر فيها دم الكاتب الهندي سلمان رشدي, بسبب إصداره كتاب آيات شيطانية,
وتم آنذاك رصد مكافأة مالية لمن يقتل الكاتب " المرتد ", واليوم تم رفع قيمة الجائزة بمقدار 500 ألف دولار, لتتجاوز الثلاثة ملايين, ثمناً لرأس الكاتب المختفي عن الأنظار منذ أكثر من عشرين عاماً, متفرغاً للكتابة, وهو في هذه الآونة بصدد إصدار كتاب, يتحدث فيه عن تجربته القاسية في الاختفاء والتخفي, بعد رصد جائزة الإجهاز على حياته.طهران ترى أن الإساءات الغربية التي طاولت النبي محمد, كرسوم الكاريكاتير الدنمركية, والفيلم الأخير ما كانت لتصدر لولا أنه سبقها ومهد لها صدور الآيات الشيطانية, وما كان لها أن تخرج إلى العلن لو لقي رشدي " العقاب " الذي يستحقه, وتؤكد أنه مالم تنفذ فتوى الخميني, التي كان الرئيس الإصلاحي خاتمي  قد وعد بعدم تنفيذها, قبل أن يعود الإمام خامنئي ليؤكدها, وقبل أن يتعهد رئيس الجمهورية أحمدي نجاد بالعمل على إنفاذها, فإن الأعمال المسيئة للرسول سوف تستمر, بغض النظر عن حالة الاحتقان الشعبي في الشارع الإسلامي, بعد كل واحد من تلك الأعمال, وإن كان هناك رأي آخر يحمل في طياته الكثير من الوجاهة, حول أن هذه التحرشات تتقصد استمرارية هذا الاحتقان, وتستدرج ردود فعل منفلتة, تكون نتيجتها المزيد من التباعد بين الديانتين الأكبر, وهما المسيحية والإسلام. بدل أن يكون الحوار الموضوعي بين القيادات الدينية بهدف التقريب بين الأديان, فإن الحل عند الثورة الإسلامية لن يكون بغير قطع رأس الأفعى, وهو في حالتنا هذه سليمان رشدي, والتصور أن إيقاع العقوبة عليه سيردع كل من يفكر بالتطاول على الإسلام والنبي محمد, وفي الظن وليس كل الظن إثم أن هذه الأفكار تتسم بالسذاجة أو الديماغوجية, إذ لو كانت هناك نظرة جدية إليها, لكان رشدي في عداد الأموات من زمان بعيد, ولو كانت السلطات الإيرانية جادة في التخلص من هذا الكاتب المارق, لجندت " استشهادياً " يفجر نفسه فيه, للوصول إلى الحور العين المنتظرات وصوله, وليست الفكرة بعيدةً عن الكثير من العمليات التي تم تنفيذها في أكثر من مكان, وحتى أن ذلك كان ممكناً دون فتوى معلنة تضع إيران في مواجهة الغرب المؤمن بالحريات الفردية بغير الطريقة التي نفهمها بها.طبعاً الفرصة هنا سانحة للتهجم على الولايات المتحدة, باعتبارها الشيطان الأكبر الراعي لكل هذه الإساءات, ومعها بالطبع الصهيونية العنصرية، لكن الوقائع تقول, إن الساسة الإيرانيين المتشددين, ظلوا يحتفظون بفتوى الخميني, التي أصدرها قبيل وفاته بأربعة أشهر, كورقة يستخدمونها بين الحين والآخر, كسلاح سياسي في صراعاتهم الداخلية مع القوى المعتدلة, ولن نبتعد كثيراً عن الحقيقة, إن مر في بالنا أن إعادة إحياء فتوى الإمام الخميني, بعد كل هذه السنوات, وبعد أن نسي الناس رشدي وآياته الشيطانية, تدخل في باب الصراع السياسي المستند لأسس طائفية, لتصدر واجهة الفعل والنفوذ في هذه المنطقة من العالم.رب ضارة نافعة, تلك هي حال رشدي, الذي استعاد حضوره على وقع القرار الإيراني, ليحصد النتائج رواجاً لكتابه الجديد, بعد أن كانت فتوى إهدار دمه في حينها لفتت الأنظار لآياته الشيطانية, فنالت من الشهرة أضعافاً مضاعفة, ولنا أن نتصور مصير الفيلم البائس الذي أنتجه موتورون بأحط وأرخص الأساليب الفنية, لو لم ترافقه الغزوات المستمرة ضد السفارات الأميركية في العواصم الإسلامية, فقد كان مرشحاً للاندثار والإهمال والنسيان, ليس بسبب أفكاره المنحطة والبغيضة فقط, وإنما بسبب الركاكة التي طبعت كل ثانية ودقيقة فيه.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram