سرمد الطائي انقشعت موجة الحر في شهر آب لتبدأ مفاجآت شهر ايلول الاكثر سخونة والتي لم تحظ بتفسير يشفي الغليل، فبدون ان يتاح لنا التقاط نفس، تجد "افواجا قتالية تائهة" وبلا اوامر معلنة، وآليات هندسية وشفلات وحفارات "تائهة ربما"، وحزمة قوانين واجراءات، كلها تستهدف بشكل متزامن،
rn اعرق نوادي بغداد، وتخطيط شارع ابو نؤاس وكتب شارع المتنبي، واذا اضفنا الى ذلك حكاية تشكيل مفوضية الانتخابات وقانون الانتخابات نفسه والمحكمة الاتحادية، فسنجد انفسنا امام عملية (قد تكون غير مقصودة ولا منسقة لكنها هكذا جاءت) تؤدي الى تدويخ اليسار والقوى الليبرالية والمنادين بدولة حديثة تحترم الحريات والمعرفة وتقاليد التمدن المعاصر.rnوبالمجمل فإن الساسة الذين انشغلوا بالصراع على "رأس نوري المالكي" اخذوا استراحة نسبية خلال الاسابيع الاخيرة بعد ان هدأت الاشياء دون سبب واضح ايضا، لكن المواجهة انتقلت الى استهداف القوى المدنية المستقلة عن التيارات السياسية الحاكمة نسبيا، وكأن الجماعة "تفرغوا لنا"، ووجد الصحفيون بشكل خاص، انفسهم مطالبين بعدة مهام في وقت واحد.rnفعلى الصحفي وهو علماني في الغالب، ان يقوم بتغطية الاحداث المتواصلة وتقديمها للجمهور، وعليه ايضا ان يخوض حوارا مع اكثر من طرف لإزالة التباسات لا تحصى وسوء فهم عميق يغطي كل القضايا المذكورة، كما ان على الصحفي ان يسد فراغ المعارضة السياسية الغائبة، وفراغ الحراك المدني الذي غاب هو الاخر او توارى بنسبة كبيرة وتراجع نشاطه (كل المصائب السالفة لم تلحقها مظاهرة او اعتصام مثلا).rnوخلاصة الحكاية اننا امام فترة كثرت فيها الاعتداءات على رموز تخص بشكل او بآخر، التيار الحداثي الداعي الى مجتمع حر، ولم يظهر رد فعل معقول الا على مستوى الصحافة العراقية التي بات عليها ان تعوض عن غياب سياسي تارة، ومدني تارة اخرى، الى جانب القيام بدورها في تغطية الاحداث.rnوحين اتصفح ما يكتبه الاصدقاء على فيسبوك او تويتر كمرآتين لنقاشاتنا اليومية، اشعر ان هناك من يريد اصابتنا بالدوار، اي "تدويخنا" على طريقة مصارع الثيران حين يغرز اكبر عدد ممكن من السهام والرماح في جسد الكائن الاسود الهائج، ليسهل عليه فيما بعد توجيه الضربة الاخيرة.rnومثال مصارع الثيران يصلح في حالتنا لاعتبارات غير التدويخ هذا، فإن المنافسة تريد ايضا تحويلنا الى "مادة للتسلية" امام الجمهور وجعلنا "فرجة" امام خلق الله.rn"فرجة" لانهم يظهرون كمدافع اصيل عن "القيم" ويريدوننا ان نظهر كمنحازين للتفسخ، كما يظهرون كمدافع عن الضوابط والقوانين ومشاريع تطوير البلاد، بينما يجري اظهارنا كطرف يريد "الفوضى والتسيب وعدم تطبيق القانون"، ويطلبون من الجمهور ان يحدق في صورتنا نحن الضعفاء الذين نتلقى عدة ضربات كل نصف ساعة، دون ان نمتلك ردا سوى كلام يجري تسويقه ضدنا في نهاية المطاف، وعلى حاشية كل ذاك يهمس الخصوم بأن العلمانية في العراق "بعثية وطائفية" لتصاغ حزمة شتائم واتهامات واجراءات في ضوء كل هذا.rnالتيار المنادي بالحداثة يعتبر نفسه "اقلية" ويشعر بالغربة احيانا حين يتداول موقفه في الانتخابات او ضعفه امام المتشددين، لكن المتشددين انفسهم يعتبروننا "خطيرين للغاية"، ويتهموننا بأننا "منظمون جدا" ولدينا "خطط مدروسة" و"مناهج غربية قوية" للسيطرة على عقول الناس والتمهيد "لانحراف المجتمع"، ولا يعلمون ان اقوى مظاهرة نجحنا في تنظيمها لم تكن تسير وفق اي خطة مصممة بعناية وانما نجحت بفضل رغبة الناس بالانحياز للحياة.rnنعم، التيار العلماني قليل العدد مقارنة بسواه، ضعيف العدة والمكاسب، اعزل وبلا سلاح، لكن نقطة قوته الوحيدة هي انه يدعو للحياة والاعتدال وصيغة التعايش التي تقبل الجميع، وقد برهن على دعوته هذه بمصداقية ولا يزال يدعو الى حوار حول كل الخلافات بدل ان نسوي مشاكلنا عبر ركل مؤخرات الناس ومهاجمتهم بالشفلات "والافواج القتالية التائهة".rnان عملية "تدويخنا" ومحاولة جعلنا "مادة للفرجة والتسلية" لن تنجح كثيرا، اذ ان الجمهور فهم اللعبة الى حد كبير، ولن يشغله اي "ماتادور اسباني" عن حلبة القتل الحقيقية، التي تدار فيها البلاد والعباد والثروات والدماء، بطريقة تقتل الاحلام وتفسد الأمل.rnاصدقائي، "لا تدوخون"!rn
عالم آخر :"تدويخ" تيار الحرية في العراق
نشر في: 18 سبتمبر, 2012: 09:01 م