د.عامرة البلداويحصلت روسيا القادمة من انهيار تكتل الاتحاد السوفيتي ( رمز النظام الاشتراكي) في 22 آب الماضي على عضوية منظمة التجارة العالمية بعد 19 عاما من المفاوضات المتعثرة والصعبة التي بدأت منذ عام 1993خصوصا بعد توقف المفاوضات بسبب حرب روسيا مع جورجيا عام 2008 ,
وقد استأنفت المفاوضات بعد استلام اوباما رئاسة الولايات المتحدة الامريكية وهبوب عواصف الازمات الاقتصادية المتلاحقة التي على اثرها صدر القرار في استئناف المفاوضات حول انضمام روسيا في الاجتماع الوزاري الثامن لمنظمة التجارة في ديسمبر من العام الماضي واصبحت روسيا العضو رقم 154 في المنظمة الدولية , وقد توالت برقيات التهاني من مختلف بلدان العالم بهذا الحدث المهم , كيف لا ومن المتوقع أن تضخ روسيا باعتبارها أكبر دولة من حيث المساحة وسادس أكبر اقتصاد في العالم حيوية جديدة في المنظمة التجارية متعددة الأطراف ,كيف لا و الأسواق الروسية الكبيرة كانت مغلقة بوجه الشركات الامريكية والاوروبية او الكورية ولم تستطع اختراقها بسبب نظام الضرائب المغلق اما اليوم فهي تفتح ابوابها على مصراعيها للأوروبيين والكوريين والأمريكيين. ويعد دخول روسيا الى منظمة التجارة العالمية ايجابيا على المدى الطويل اذ يرى البنك الدولي ان انضمام روسيا الى هذه المنظمة سوف يزيد الناتج المحلي الاجمالي بأكثر من 10% , كما جاء هذا الحدث في وقت سببت أزمة الديون انخفاض الطلب على السلع الاستهلاكية في أوروبا , وانخفاضا في مبيعات سيارات الركاب في أوروبا في النصف الأول من العام بنسبة 7%، ويتوقع انخفاضا واضحا للرسوم الكمركية في السنوات القريبة القادمةخاصة المنتجات الغذائية، كاللحوم ومنتجات الألبان، وكذلك بعض الفواكه والخضروات وستتوالى موجة خفض التعريفات الكمركية لاحقا لتشمل كل انواع التكنولوجيات الاستهلاكية مما ينعش التجارة البينية مع دول اوربا .فهل روسيا كانت غير واعية لكل ذلك بسعيها الحثيث للوصول الى عضوية منظمة التجارة ام ان مصالحها وخططها اكبر بكثير مما ستحققه الدول التي اتعبتها الازمة المالية ؟ تعمل روسيا على انشاء نظام دولي جديد اقتصاديا وسياسيا وبالتعاون مع بعض الدول مثل البرازيل والصين والهند وجنوب افريقيا ضمن نادي الدول ذات الاقتصاديات الناشئة الذي سمي دول مجموعة ((بريكس)) وان انضمامها في منظمة التجارة سيعزز هذه الجهود ليجعل روسيا من خلال هذا النظام لاعبا مهما في الحفاظ على توازن النظام التجاري الدولي وتطويره للدفع باتجاه إصلاح النظام الاقتصادي الدولي وسيجعلها تساهم في تغيير اوضاع التجارة العالمية التي كانت قراراتها بيد الولايات المتحدة والاتحاد الاوربي . ودوليا فإن التعاون السياسي والاقتصادي بين الشريكين الستراتيجيين الصين وروسيا سيزداد بدرجة كبيرة بعد الانضمام وسيصب في تقوية النظام الجديد.كما تعمل روسيا على استعادة مواقع التعاون الاقتصادي مع الدول العربية التي استأثرت بها الولايات المتحدة لفترة طويلة من الزمن خاصة بعد موجة الربيع العربي ساعية للتعاون مع بعض الدول مثل مصر التي رحبت بانضمام روسيا لمنظمة التجارة وأبدت رغبتها في سرعة إتمام اتفاق التجارة الحرة مع موسكو وتوثيق التعاون المشترك وتنشيط حركة التجارة بين البلدين . وتجدر الإشارة إلى أن حجم التبادل التجاري الروسي العربي وصل إلى 10 مليارات دولار، وأن الشركاء الاقتصاديين العرب الأكثر أهمية لروسيا هم مصر والمغرب والجزائر،وربما تكون احداث الربيع العربي وتهديد استقرار معظم بلدان المنطقة سيساهم في انخفاض التبادل التجاري او تحريكه الى اتجاهات اخرى , الا ان المهم في الامر ان تجد دول الربيع العربي خاصة تلك التي انضمت الى منظمة التجارة العالمية فرصا اوفر مع روسيا للاستفادة في الحصول على التأييد الروسي لقضايا الربط بين التجارة والتنمية من خلال الحصول على فرص تجارية أفضل في السوق الروسية تعوض فيه ما لم تتمكن من الوصول إليه من التعامل مع الدول الأكثر نموا مما يساعدها في تحقيق بعض الرفاه لشعوبها التي حركت الربيع بسبب سوء الاحوال المعيشية . اما دول مجلس التعاون الخليجي التي شهدت علاقاتها بروسيا خلال السنوات القليلة الماضية تقارباً ملحوظاً في الرؤى والمواقف السياسية عكس توجهاً مشتركاً نحو تكثيف علاقات التعاون الاقتصادي بين الجانبين، حيث تسعى كل من روسيا ودول مجلس التعاون الى تعزيز التعاون في مجالات الصناعة والنقل والاتصالات والزراعة والسياحة والصحة و في مجال الطاقة، ان يتم عقد اجتماعات مشتركة للمختصين والفنيين في هذا المجال لوضع الأطر اللازمة لذلك والتعاون في مجال الاستخدامات السلمية للطاقة النووية والسلامة النووية والطاقة المتجددة , فهل ستعمل دول مجلس التعاون في توظيف الاقتصاد والمصالح التجارية لخدمة القضايا السياسية الخليجية والعربية والإسلامية وتستفيد من اللاعب الجديد الذي تنتظر منه اقتصاديات العالم دورا استثنائيا في احداث حالة الاستقرار في منطقة باتت على فوهة بركان .
اوراق اقتصادية: روسيا ومنظمة التجارة العالمية
نشر في: 21 سبتمبر, 2012: 07:20 م