بغداد/ المدى طغت على ساحة النقاش في العراق، في الفترة الأخيرة، تجاذبات بين المدافعين عن العمل الحزبي والسياسي ممن يعتبرون المشاركة السياسية ركيزة البناء الديمقراطي، وبين القائلين إن النفور من العمل السياسي أصبح واقعا معيشيا، خاصة لدى فئة الشباب بفعل عوامل متعددة، جعلت المواطنين، والشباب بصفة أخص، ينصرفون عن العمل الحزبي للاهتمام أكثر بالعمل الجمعوي.
rn على النقاش مقولة عزوف الشباب عن المشاركة السياسية بسبب ما يعتبره بعض المهتمين جمود الأحزاب وتراجع دورها في الساحة السياسية وفي المجتمع بفعل ترهلها، مع الزمن، وعدم استيعابها للتحولات التي يعيشها المجتمع.rnوهناك من يرجع نفور الشباب من العمل الحزبي إلى عوامل مرتبطة بما أصبح شائعا تحت يافطة شيخوخة الزعامات الحزبية وعدم تجديد النخب، وعقم العمل الحزبي، وتهميش الشباب الناتج عن طغيان هاجس الوصاية المفروضة عليهم من طرف القيادات الحزبية، مما جعل مجال استقطاب الشباب عصيا على الأحزاب، التي أصبحت منعزلة ولا تكاد تستقطب سوى أعداد قليلة من المنخرطين الجدد.rnومن اللافت أن عددا متزايدا من الشباب أصبحوا، في الوقت الراهن، يتوجهون نحو جمعيات المجتمع المدني النشيطة في العمل الميداني في مختلف القطاعات، والمهتمة بمختلف جوانب الحياة اليومية للمواطنين.rnوينبع تفضيل الشباب الانخراط في العمل الجمعوي، مما يتيحه هذا العمل من فرص للتعبير عن الذات والكشف عن الطموحات وإبراز الطاقات الكامنة في الشباب.rnفالأحزاب تتعامل مع الشباب بمنطق الوصاية والإرشاد، في الوقت الذي يحرص فيه الشباب على الرغبة في فرض النفس وتفجير طاقاتهم وإبراز مواهبهم وتحقيق الذات، والرغبة في طرح الإشكالات بحرية ودون قيود.rnلكن هناك رأيا آخر يؤكد أن العمل الحزبي ما زال يستقطب عددا متزايدا من الشباب، وأن هناك جهودا تبذل من طرف الفاعلين الحزبيين والسياسيين، قصد إعادة الثقة بالعمل السياسي لدى المواطنين، وخاصة فئة الشباب.rnويربط العديد من الباحثين والمهتمين بين المشاركة السياسية للشباب وبين التطور الديمقراطي وتعمق حس المواطنة، على أساس أن العقود الأربعة الماضية خلفت انعكاسات سلبية على حجم المشاركة السياسية للشباب في الأحزاب، بسبب غياب هذين العنصرين، وهو ما يتعين العمل على تصحيحه مستقبلا.rn rnالأحزاب السياسية في موقع المساءلةrn ويقول بعض الباحثين إن العديد من الشباب أصبحوا يعتقدون بلا جدوى الانخراط في الأحزاب، طالما أن الديمقراطية الداخلية للأحزاب لم تترسخ بعد، وطالما أن الجو العام السائد داخل الأحزاب لا يوفر أي هامش للعمل السياسي البناء والمثمر المبني على تفجير الطاقات والمواهب التي يزخر بها الشباب.rnويذهب بعض الباحثين إلى أن الانخراط في الجمعيات لا يعني انصراف الشباب عن الشأن العام، على اعتبار أن العمل داخل هيئات المجتمع المدني يُخول المشاركة في تدبير الشأن العام وإن بشكل غير مباشر، من خلال المساهمة في تطوير المجتمع، ودعم التنمية، والمساهمة في محاربة الظواهر الاجتماعية السلبية، فضلا عن أن العمل الجمعوي يمكن الشباب من تأكيد ذواتهم بالعمل في ما يدر المصلحة العامة للإنسان والمجتمع المغربيين.rnويقول كريم علي، ناشط مدني وشاب في العشرينيات: إن موضوع الشباب يطرح مسألة الآفاق والمكانة التي يفتحها المجتمع للأجيال الشابة. فعندما يشعر الشاب بأنه يعيش في مجتمع يحسن الإنصات إليه ويمنحه الاهتمام المستحق والرعاية اللازمة، فإنه ينخرط بحماس في العمل السياسي، والعكس صحيح. ويضيف أن الفئة الهشة في المجتمع هم الشباب إلى جانب النساء والأطفال، على اعتبار غياب المكانة الاجتماعية المخصصة لهذه الفئة.rnويقول إن أهم موارد المجتمع هي الموارد البشرية، التي ينبغي الاعتناء بها، والشباب يتميزون بطاقة هائلة يسعون إلى تفجيرها والتعبير عنها، وعندما لا يجدون متنفسا لهم، فإن ذلك يدفعهم إلى الانصراف عن العمل السياسي.rnفيما حيدر سليم طالب جامعي يؤكد أن الحديث عن الشباب وعن العزوف عن السياسة يستلزم استحضار معطيات عديدة من ضمنها ما هو تاريخي، ففي أيام الاستعمار البريطاني نلاحظ أن المقاومين كانوا كلهم شبابا، كما أن الذين ساهموا في أحداث الثورات العربية القديمة والحديثة كانوا شبابا، وكان الشباب هم محركوها، أن الآفاق مفتوحة للشباب والشباب متحمسون لإيجاد موطأ قدم لهم في المجتمع، ومتطلعين إلى ذلك ويعملون له بكد، لكن الذي حدث بعد ذلك هو أن الشباب أصبحوا يحسون أنه لم تعد لهم مكانة في مجتمعهم، ولا يجدون أنفسهم في المستقبل مما أدى إلى عدم الاهتمام بالعمل السياسي عموما، وهذا لا يعني أن الشباب غير مسيسين، بل بالعكس، فذلك يؤشر أن الشباب لم يعودوا يحسون أن لهم مكانة في المجتمع.rnبينما تقول سمر حسن طالبة جامعية: الآن الشباب لا يجد نفسه في المجتمع، الأحزاب أعادت إنتاج البنية نفسها، وبالتالي أصبح الشباب له رد فعل معاكس. الجمعيات تستهوي الشباب بسياسة القرب. انصراف الشباب عن العمل السياسي واكبه بروز ظاهرة الانخراط القوي للشباب في جمعيات المجتمع المدني، وذلك لأسباب سبق ذكرها، ولأن الشباب، أيضا، يشعرون بأنه لم يبق للأحزاب ما تمنحها لهم بعد أن عجزت عن مواكبة التحولات المجتمعية ل
الشباب والمشاركة السياسية.. لماذا العزوف؟
نشر في: 22 سبتمبر, 2012: 06:57 م