أحمد عبد الحسينأمس ابتدأت السنة الدراسية.صباحاً مشهد التلاميذ يتقاطرون أولاداً وبناتاً مع آبائهم أو أمهاتهم يصنع فرحاً نادراً في بغداد اليوم، يجعل كل من يراه يعود طفلاً وفي قلبه خوفُ أول يوم دراسة، وفي خاطره أمل مبهم بأيام مقبلةٍ ستجعل منه ما يريد.
مشيت على طول الشارع المؤدي إلى المدارس مبتسماً للخوف المكتوم في عيون هؤلاء الملائكة، آخرون لم يستطيعوا كتمانه فانفجروا بالبكاء حتى قبل أن يصلوا بوابة السجن المركزيّ الذي سيألفونه بعد أيام ويحبونه فلا يعود سجناً بل سيجدون فيه رحابة عالمهم الذي سيقضون فيه كلّ يوم نصفَ يومهم، نصفَ عمرهم. وسيكبرون ويتمشون يوماً على هذا الشارع ويرون تلاميذ خائفين ويضحكون.ابني أصبح تلميذاً أمس، قضى ليل أول من أمس خائفاً ، أراد أن يؤجل اليوم الموعود دون جدوى، تمارض، تحجج بأن المدرسة مملة ولا يعرف فيها أحداً، لكننا أفهمناه أن لا رادّ للقضاء والقدر.مرّت الأمور بسلام، التقى ببعض زملائه الذين كانوا معه في الروضة، شاهد أبناء جيران لنا، وهناك معلمة امتدحته بقولها إنه مهذب وشاطر، لعله كان حزيناً لأنهم لم يعطوه مجالاً ليثبت لهم أنه يعرف كتابة اسمه واسم أبيه واسم العراق. لكنه سيفعل بالتأكيد.ربما بكى في أول أيامه، ضجر، أو تمنى من قلبه أن الله دمر كل مدارس العالم ولعن مؤسس أول مدرسة، كما فعلنا جميعنا يوماً، لكنه سيدخل في هذه اللعبة التي كلما أتقنها أحبها أكثر، سيكتشف كلّ يوم شيئاً جديداً، سيتشاجر ويلعب إلى أن يتعب، سيعود في بعض الأيام بثياب ممزقة متربة، لكنْ في أعماقه عينٌ باصرةٌ بدأت منذ أمس تتفتح وسترى أبعد مما أسعفه خياله الطفل.الملائكة السائرون على الرصيف، سيصنعون لي شمساً خاصة كل صباح وأنا ذاهب إلى العمل، بنات بشرائط حمر يتقافزن سيجعلن يومي يبتدئ بالمسرات، صبيان صخّابون سينسونني ولو للحظات أنني في بلد يتكاثر فيه اللصوص والفاسدون وبائعو الوطن بقدر ما يتكاثر فيه الناطقون باسم الفضيلة والعفة والأخلاق في نفاق يصدره لنا الساسة من الفضائيات كل حين، وسيجعلونني أؤمن أن الحياة تنتصر دائماً، بلثغة طفل، أو بوجه بنت صغيرة توجز العذوبة كلها بابتسامة.الحياة تنتصر بكم أيها السائرون إلى خوف يومكم الأول، أبناءنا الذين بكم وحدكم نأمل أن نصنع وطناً خالياً من وجوه القتلة المجرمين الذين تبيضهم دجاجة العقائد وتفقسهم في هواء المصارف المكيّف.لكني لسبب ما أشعر بأسى يا أبنائي، إننا لم نترك لكم ما يعينكم على صنع أحلامكم، تركنا لكم وطناً يمزقه الساسة بحراب العقيدة، وطن يحكمه حرامية لا نعرف من أين جاءوا وإلى أين هم بنا سائرون، تركنا لكم بذور صراع لا ينتهي، وطائفية يحرص الساسة الحاكمون على إدامتها.اكتبوا اسم العراق كل يوم في دفاتركم، ولا تلتفتوا لكلام آبائكم حين يتحدثون بكلام مسموم عن طوائفهم. أدمنوا قراءة وكتابة العراق وحده، وحده، وحده . أرجوكم انقذوا أعماركم من الوحل الذي نحن فيه.
قرطاس: ملائكة الرصيف الخائفون
نشر في: 23 سبتمبر, 2012: 06:22 م