TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > العمود الثامن :خضير الخزاعي ومقعد عصمت كتاني

العمود الثامن :خضير الخزاعي ومقعد عصمت كتاني

نشر في: 23 سبتمبر, 2012: 10:14 م

 علي حسينكان عصمت كتاني وهو يقف وسط قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة، يشعرك بأنك ترى شيئا من تاريخ وخصائص العراق.. كان رجل الآفاق في الدبلوماسية وفي السياسة، حارساً لمصالح البلاد، وحين أصبح السيد الأول في الجمعية العامة للأمم المتحدة ظل شجاعا في الدفاع عن قضايا العرب، لم ينحز الى قوميته الكردية، لكنه انحاز بشدة إلى عراقيته ، حتى قال عنه الأخضر الابراهيمي يرثيه "لم اجد دبلوماسيا ألمع وأكثر حضورا منه"، كان هذا زمن عمل فيه ساسته من اجل مصلحة الاوطان والناس لامن اجل مصالحهم..
 rn اليوم يعيش العراق في ظل ساسة يرفضون ان يأخذوا بيده الى ضفة الامان والرفاهية.. فهم مصرون على تغييبه، فيما نجدهم في المحافل يعلنون ولاءهم لشتى انواع الخارج.. لماذا اتذكر الدبلوماسي العراقي الكبير عصمت كتاني الان ؟ اتذكره والعراق يدخل على ابواب عمره الثمانين في الجمعية العامة للامم المتحدة.. وكان ذلك ايضا بفضل سياسيين تساموا على الطوائف والمذاهب والمنافع.. ففي العام 1931 يصر نوري السعيد على دخول العراق عصبة الامم المتحدة.. وحين يواجهه مندوبو الدول الكبرى بمشكلة الاقليات يلقي كلمته الشهيرة التي يقول فيها العراق بلد لكل العراقيين بجميع طوائفهم وأعراقهم ومذاهبهم.. ويرفض طلبا تقدمت به امريكا بتحديد اماكن للاقليات الدينية.. ويفاجئ مندوبي عصبة الامم المتحدة بوفد عراقي ضم بين أعضائه المسلم والمسيحي واليهودي والعربي والكردي والايزيدي والصابئي.. ليعلن في الثالث من تشرين الاول عام 1932 قبول العراق عضوا في عصبة الامم المتحدة وليصبح نوري السعيد اول مندوب عربي.. في ذلك الزمان خاض العراقيون جميعا حروبهم من اجل البناء والرفاهية والإعمار والتعليم. rnكان ذلك عصر إعمار المدن والنفوس.. فيما اليوم نعيش عصر خراب النفوس قبل البلدان.. عصر حروب الطائفية والمناصب واللهاث وراء المغانم والمكاسب.. عصر المسؤولون فيه يسعون الى كسب رضا اقاربهم واحبابهم، ويخسرون رضا الناس.. وضع انقلبت فيه السياسة من فن خدمة الأوطان الى فن خدمة الجيوب.. لم يعد لرجال مثل عصمت كتاني مكانا.. فنحن نعيش مع ساسة أصبحوا من الجبروت والقوة بحيث يجبرون المؤسسات والدولة على اختيارهم، متعللين بالطبع بدعم قواهم السياسية للحكومة، أو بموافقتهم على الانخراط بالعملية السياسية والتي يعتبرونها "منة" يمنون بها على الشعب المغلوب على أمره. rnحين قرأت خبر تكليف السيد نائب رئيس الجمهورية خضير الخزاعي، لرئاسة وفد العراق في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، أيقنت أننا مُصرين على ممارسة الكوميديا، والضحك في أصعب المواقف، وبغير ذلك أظن أنه من المرهق جدا محاولة فهم الخطوة التاريخية المباركة التي قررت فيها البلاد تكليف السيد الخزاعي بهذه المهمة الشاقة.rnالذين يعرفون الرجل جيدا سيقولون، انه سيلقي خطبة في الأمم المتحدة يشرح فيها انجازاته الكبيرة في وزارة التربية ، وكيف خطط لفصل البنين عن البنات في المدارس الابتدائية، وحرم الموسيقى والنحت في معهد الفنون الجميلة، وكان أول مسؤول عراقي يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، حين يرى معلمة غير محجبة.. وسيقول البعض أن الرجل سيتحدث عن منافع التكليف الشرعي للمناصب، فالعراقيون يتذكرون كيف خرج عليهم ذات مساء ليقول :  "انه لا يسعى للمنصب لكنه تكليف شرعي وعليه تنفيذه" وحين واجه ترشيحه لمنصب نائب رئيس الجمهورية، اعتراضا من بعض الكتل السياسية رفع إصبعه محذرا الجميع من أن عدم وجوده في المنصب سيجر البلاد إلى مزالق الخطر ويطيح بالعملية السياسية، سيلقي الخزاعي كلمته في الامم المتحدة، واتمنى ان يضمها إرشادات عن الحشمة والاخلاق الحميدة  ، ودروس في الفضيلة لشعوب العالم التي تعيش في فوضى الإباحية وعدم الايمان، وعصر الجاهلية، وأتمنى أن يقدم لهم نصيحته الذهبية التي قالها للعراقيين يوما من ان الاحتجاجات والتظاهرات مضرة ولا تجدي نفعا، لان العراق بلد فقير وان الحكومة لا تملك الأموال اللازمة لتحقيق كل ما يصبو إليه المواطنون الذين لو خرجوا كلهم، حسب قوله، فان أي شيء لن يتغير.rnحتما لن يتغير شيء نحو الأحسن، لأننا في لحظة خارجة عن التاريخ، نسينا أن في هذا المكان – الامم المتحدة – كان هناك  مقعدا جلس عليه رجل عراقي اسمه عصمت كتاني لم يتحدث يوما بلغة الطائفية والمحسوبية وإنما بلغة أهل العراق جميعا.rn 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram