TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > من يغتال "أبو نؤاس"؟

من يغتال "أبو نؤاس"؟

نشر في: 24 سبتمبر, 2012: 06:16 م

نضال يوسفإنها ليست لحظة طارئة تفجرت في ذهن مسؤول، فالقت شظاياها على شارع ابو نؤاس، ولا هي خطة ارتجالية تفتقت عنها قريحة سياسي معين في  لحظة تجلّ شاعرية،فراحت تبحث عن ذاتها بين أشجاره العتيقة،على الرغم من أن كل خططنا الأخرى في مجال التخطيط والاقتصاد والخدمات تكشف أننا نمضي في الزمن بجموح الطارىء والارتجال وعدم التحسب للمضار والفوائد على حد سواء.
rnكذلك إنها ليست شطحة مفاجئة كثيرا ما نتلمسها لدى من وضعوا على رؤوسهم ريشة الطاووس، وتسلقوا هرم السلطة وتربعوا فوق قمته وراحوا يتحكمون بمصائرالناس، يرسمون لهم مسار حياتهم، ويعترضون طريقة تفكيرهم، ويحددون نمط علاقاتهم، حتى وصل الأمر إلى التحكم بتاريخهم ومزاجهم المجتمعي.rnإذا أردنا أن نتفهم الحاضر علينا أن نعرف الماضي..rnوماذا أردنا أن نستقرئ المستقبل علينا أن نتمعن بالحاضر، بمعنى أننا يجب أن ندرك أن ما يجري الآن لشارع أبو نؤاس مرتبط بما جرى في أماكن مختلفة قبل مدة قريبة، فالحوادث غالباً ما تكون متصلة بما قبلها وممتدة لما بعدها، وتحويل شارع أبو نؤاس إلى ساحات لوقوف السيارات، واقتلاع تاريخ أشجاره الضاربة في القدم، إنما هو امتداد لحملات إغلاق النوادي الاجتماعية ومنع الغناء في المهرجانات وتحطيم متاجر بيع الخمور ودعوات الفصل بين الإناث والذكور في الجامعات، كما انه يعكس الدوافع نفسها التي وقفت وراء الإجراء الذي اتخذه رئيس إحدى الجامعات بوضع الزفت الأسود على المقاعد المنتشرة في حدائق الجامعة لمنع جلوس الطلاب مع زميلاتهم، والقضاء على مظاهر الاختلاط.rnلا بد أن يدرك المسؤولون أن تشويه شارع أبو نؤاس يعد تشويهاً لأجمل مناطق بغداد، ويحول أكثر مناطقها خضرة وتألقاً إلى أرض موحشة، تتقاذفها متغيرات الطبيعة وسلوكيات مواقف السيارات.rnوقد يكون من المناسب التذكير أن سمعة شارع أبو نؤاس تجاوزت حدود بغداد، وحتى حدود العراق، ووصلت إلى أبعد مناطق العالم، وأن الكثير من الوافدين الأجانب يسألون عن أبو نؤاس "والسمك المسكوف" بمجرد أن تطأ أقدامهم أرض بغداد، و"مؤامرة" تغيير مقومات شارع أبو نؤاس يعني حرمان العراق من أحد المعالم الرمزية المعروفة في العالم.rnكان بالإمكان تطوير الشارع وتحديث مواقعه الخدمية دون التعرض لمعالمه الأساسية، وذلك يتطلب إشراك أصحاب الاختصاص من المهندسين المعماريين والفنانين في عملية التطوير.rnأذكر أن الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا ميتران كان يعتمد تقليداً إدارياً يقضي عقد اجتماع نصف سنوي مع بلدية باريس، يحضره أبرز المهندسين المعماريين والفنانين والأدباء الفرنسيين، لمناقشة موضوع واحد فقط هو " لكي تبقى باريس أجمل مدينة في العالم"rnوأذكر أيضاً أن بلدية روما حرمت على أصحاب المحال التجارية والدور السكنية من إجراء تغييرات أو أعمال تطوير على ممتلكاتهم داخل العاصمة، ما لم تكن متوافقة مع الإطار الفني الذي يعكس حضارة الرومان في طريقة بنائهم، والأساليب التي استخدمها القدماء في تزيين واجهات المباني في ذلك الوقت، وأن الكثير من شوارع روما ما تزال أرضيتها مصفوفة بالطابوق الحجري القديم.rnهكذا أيها السادة تحافظ الدول على آثارها، وهكذا تتعامل مع رموزها التأريخية، وكل ذلك يعكس نوعاً من التحضر لا يرتبط بمعتقد معين، أو مذهب محدد، أو قيم ضيقة.rn

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

بغداد/ المدى تنطلق فعاليات الدورة الخامسة من معرض العراق الدولي للكتاب، في الفترة (4 – 14 كانون الأول 2024)، على أرض معرض بغداد الدولي.المعرض السنوي الذي تنظمه مؤسسة (المدى) للإعلام والثقافة والفنون، تشارك فيه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram