ترجمة/ أحمد فاضليوميات الكاتب الإنكليزي الأشهر جورج أورويل التي صدرت في المملكة المتحدة عام 2010، ستنشر لأول مرة في أمريكا الشهر المقبل، والشيء الذي سيميزها هو مقدمتها التي كتبها الناقد الإنكليزي الأمريكي المعروف كريستوفر هيتشنز قبل وفاته العام الماضي، مستكشفا فيها جوانب أخرى من حياة أورويل، كتبها بخبرته المعتادة وتأثره الشديد به.
rnهيتشنز المولود في إنكلترا عام 1949 مارس النقد الأدبي في عدة صحف ومجلات منها ستيتسمان والمحيط الأطلسي والأمة وصحيفة الديلي ميرور وملحق التايمز الأدبي والبحث الحر ومجلة فانيتي فير، أصدر 12 كتابا و5 مجموعات من المقالات باعتبارها العنصر الرئيس في حوارياته ودوائر محاضراته الفكرية عامة، كان يمتلك أسلوبا اتسم غالبا بالمواجهة في جميع نقاشاته ما جعله شخصية مثيرة للاهتمام حتى وفاته في عام 2011 .rnاتسمت حياته الأدبية بالإعجاب الشديد بجورج أورويل وتوماس بين وتوماس جيفرسون، ومن جانب آخر لم يخفِ انتقاداته اللاذعة التي كان يوجهها بقسوة لعدد من الشخصيات المؤثرة في الحياة السياسية والعامة كالأم تيريزا وبيل كلينتون وهنري كسينجر والأميرة دايانا ، امتدت كتاباته لتشمل الدين والسياسة والتاريخ، فضلا عن تخصصه الواضح في كتابة السيرة الذاتية والنقد الأدبي، في 15 كانون الأول من عام 2011، توفي هيتشنز نتيجة لإصابته بالتهاب حاد في رئته ومضاعفات مرض السرطان وكان يحمل الجنسيتين البريطانية والأمريكية اللتين استقبلتا كتاباته في أهم صحفهما ومجلاتهما وشهدت ساحاتهما الأدبية صولاته وجولاته فيهما.rnكان أورويل مصدر إلهام لهيتشنز وحتى أواخر عمره وقد تناول في كتاباته حياته وأعماله معتمدا في ذلك على ما كان يقرأه من مقالاته التي كثيرا ما كان ينشرها في الصحف، أو مذاعة عبر أثيرالبي بي سي خاصة سلسلة " لماذا أكتب " وعموده الشهير "كما قلت من فضلك"، هذه المقالات وصفها هيتشنز بالقوة في مواجهة الحقائق غير السارة والتي كانت تتجدد باستمرار تحذوها رغبات أكيدة في معارضة قضايا مهمة آنذاك كالاشتراكية والديمقراطية وخطر الفاشية، كما شخص في مقالاته ذلك الخلل الذي طرأ على الكثير من مفردات وقوانين حكم الإمبراطورية البريطانية آنذاك والتي كان لا يتورع أن يصفها بالرجعية في معاملتها لملايين الشعوب المستعمرة، والخوف الممزوج بالبغض الذي كان يلامس حياتهم ظهر واضحا وجليا في يومياته خلال السنوات 1931 - 1949 والذي أثر بشكل كبير في المادة الخام لبعض رواياته الأكثر شهرة ومنها " مزرعة الحيوانات " التي قدم فيها صورة أكثر حميمية لرجل يعيش أزمة فكرية حادة سببها الشيوعية بسبب فساد ثورتها على يد قادتها دون المساس بفكرها .rnاليوميات حملت أيضا مجموعة نفيسة من القرائن والإشارات منها ما ذكره خلال إقامته في المغرب للأعوام 1938 – 1939، وما كانت تعانيه المجتمعات هناك في شمال أفريقيا . أما في بقية مستعمراتها كالهند والصين فقد عبر عن اشمئزازه حيال انتشار تجارة الأفيون بمساعدتها وهو أحد أكثر الأمور التي أعطاها أورويل اهتمامه بعد أن تكشفت لديه أن اليهود في بلاده يقفون وراءها ، وقد لا يكون من المبالغة إذا قلنا أن أورويل ساعد ومن خلال ما كتبه في بروز ما يمكن أن نسميه "دراسات ما بعد الاستعمار" وهي تلك التي تناول فيها البطالة وسكن الفقراء في شمال انكلترا والتي تقف على سبيل المقارنة مع الإحصاءات الدقيقة التي كان قد وضعها فريدريك انجلز عن الطبقة العاملة هناك ونشرت في وقت سابق، من هنا جاءت روايته الذائعة الصيت " 1984 " الصادرة عام 1949، لتجسد القلق الذي كان ينتابه وهو يكتب عن تلك المعاناة التي تنبأ من خلالها بمصير العالم الذي ستحكمه قوى كبيرة تتقاسم مساحته وسكانه دون أن تسعى لتحقيق أحلامهم وطموحاتهم ، بل راحت تحولهم الى مجرد أرقام في جمهوريات " الأخ الأكبر " أو الحاكم الغامض لأوشنيا وهي الدولة الدكتاتورية ذات الطابع الشمولي ، تلك الكلمة أصبحت بعد نشر الرواية تستعمل كمرادف للتعسف في استعمال السلطة، فعمال مناجم الفحم البريطانية مثال حي يتناولهم أورويل على صفحاتها واضعا لها بنفس الوقت حلا يكمن في تلك القوة المحتملة لتوليد مواردها الخاصة والخروج بها من مأزق صراعها اليومي وتعميم ذلك الصراع من أجل حل المسائل الكبرى المتمثلة بملكية الإنتاج وحق تلك العمالة بالإمساك في حصتها كاملة. أورويل واصل نفس مساره عندما تناول شمال أفريقيا بعد نيل استقلاله من النظام الاستعماري البريطاني وقد ضربت الرواية أمثلة واقعية للمستعمرات الأفريقية سابقا مثل زمبابوي وجمهورية الكونغو الديمقراطية .rnفي يومياته تلك كان أورويل قد توقع زوال حكم البيض بسيطرتهم على الكرة الأرضية وأن فكرة تزييف التاريخ التي اعتمدوها سرعان ما تحولت إلى دعاية أمام عينيه في مقر المعلومات الديمقراطية وهو ما كان يطلق على البي بي سي التي كان يعمل فيها، فقد لاحظ صيف عام 1942 كيف استخدمت بريطانيا القوة من أجل إخماد المظاهرات وأعمال الشغب في الهند بسبب اعتقال نهرو ومحاولة تشويه تأريخه النضالي، هذه الرؤية المستقبلية أودعها أورويل في روايته " 1984 " كمحاولة منه لإعادة كتابة التاريخ الحدي
يوميات جورج أورويل ..الحقيقة الغائبة
نشر في: 24 سبتمبر, 2012: 06:24 م