سرمد الطائيفي وسعك "تحت جسر الجمهورية" المؤدي الى المنطقة الخضراء، ان تفسر الفشل العراقي، وأن ترى صورة مصغرة لما نقوم به شعبا وقيادة، ويؤدي الى تلكؤ حياتنا وانحسار اسباب التفاؤل، اثناء قراءتك اخبارا عن انشغال جنرالات الشرق الاوسط بمطاردة "سبايدر مان" و"علاء الدين" في اطار "حرب ناعمة" على جهتي هضبة زاغروس.
ومنذ الصباح احاول ان اقدم لنفسي اسبابا للتمسك بالمستقبل والاحلام رغم قائد حرس الثورة الجديد في ايران الذي افتتح ولايته بالحديث عن الاستعداد لحرب شاملة من مضيق هرمز حتى بوابات حلب. فالسيد حسين سلامي يقول لوكالة الانباء الايرانية "الجميع يعلم بأن الحرب قادمة وهي جزء من المستقبل.. سنواجه تحالفا دوليا كبيرا بزعامة امريكا، وعلى الجميع ان يستعدوا".وبينما تدفع المنطقة ثمن مواجهة حادة بين ايران واسرائيل والغرب والسعودية، فإن رجال السيد سلامي يتجولون في طهران لمصادرة حقائب مدرسية عليها صورة "سبايدر مان" او الرجل العنكبوت والدمية باربي، لانها رموز امريكية تشارك في شن "الحرب الثقافية الناعمة" الممهدة لـ"الحرب الخشنة".كنت اقرأ هذه الاخبار وأنا في التاكسي انتظر رحمة الله كي اصل الى العمل قاطعا زحامات قلب بغداد المنهك. وأحاول ان ادرب نفسي على صناعة التفاؤل وسط صورة الخراب الساخرة في علاقاتنا الاقليمية، وفي عجزنا عن التعايش مع حقائب الاطفال بسبب صور سبايدرمان، وعجزنا عن اقناع المتشددين بأن طريقتنا في الحياة كعلمانيين او ليبراليين لن تكون سببا للحرب العالمية الثالثة حتى لو شارك فيها الرجل العنكبوت. لكن التاكسي قطع "الحسبات" التي تدور في رأسي، وتوقف فجأة وسط عقدة مواصلات رهيبة تمتد من المنطقة الواقعة تحت جسر الجمهورية في مدخل شارع ابو نؤاس، حتى التقاطع القائم عند المبنى المرتفع الذي كان يضم المطعم التركي. فهناك زحام رهيب وسواق السيارات يتصايحون، ولا احد يمنح الاخر فرصة الافلات. السيارات احتجزت بعضها البعض داخل التقاطع.ادور برأسي بحثا عن شرطي المرور، فأجده غير مبال، يتأبط سلاحه ويفرك كفا بكف، ويقف بلا حراك ويستمع الى حديث ممل من عنصر انضباط عسكري يقف الى جانبه. وعلى الجهة الاخرى من هذا الزحام الرهيب، 5 من الشرطة يحملون سلاحهم ويتلفتون يمنة ويسرة، تحسبا لمعارك ملساء وأخرى خشنة، لكنهم لا يفعلون شيئا لفوضى الشارع.اذن فهناك 7 رجال امن مدججين بالسلاح يتفرجون على معركة السيارات الخشنة جدا، ولا احد منهم يتدخل لنظم امور العباد والبلاد. ربما لان افواج السلطان مشغولة برصد مؤيدي فك الحصار عن النوادي الاجتماعية والبارات في العراق. وهكذا بقيت عالقا في الزحام أقرأ اخبار "الحرب الناعمة" التي تجري بين جنرالات بلاد فارس والرجل العنكبوت، وأتخيل حوارا يسخر من كل شيء بين ابطال هوليود من الغرب والشرق، بات مان وعلي بابا، سبايدرمان وعلاء الدين، قهرمانة والدمية باربي. لقد كنا يوما نقوم بانتاج شخصيات الابطال في الحكايات الشرقية الشهيرة، وقام الغرب بترجمتها وتصويرها في الافلام وتسويقها كنجوم في ديزني لاند، دون ان يعدها حربا بغدادية او شيرازية ناعمة او خشنة تشن ضد روما وهوليود. لم يعتقلوا سندباد في لندن كما نفعل مع باربي في طهران.العلاقة الملتبسة بين رامبو وعلاء الدين تلاحقني وأنا متجه الى شارع ابي نؤاس حيث شهريار وشهرزاد، تشغلني أخبار حكومة تعجز عن وضع حد لفوضى المرور تحت جسر الجمهورية المؤدي الى المنطقة الخضراء والمؤدي الى بيت السلطان، حيث تجري كتابة قانون البنى التحتية ورصد طائرات كوريا الشمالية. وأحدق في شعب محكوم ينحشر في سيارات السايبا ويظل يعيش في عالم يحكمه أمراء جند وولاة منشغلون بملاحقة الدمية باربي وسبايدرمان وكؤوس ابي نؤاس وقصائد المتنبي والازياء الحديثة للصبيان والبنات، من طهران حتى السعودية.
عالم آخر: سبايدرمان تحت جسر الجمهورية
نشر في: 24 سبتمبر, 2012: 09:10 م