د. مهند البراكلايزال شائعاً أن انتقال السلطة من العسكر إلى المدنيين، يعني أن الحكم و الدولة صارا مدنيين ، و تغذيّ ذلك أوساط تحاول تبسيط المفاهيم و توظف الجهل الشائع لنشرها . . حتى اعتبر قسم أن الحكم في مصر مثلاً، صار حكماً مدنياً بعد أن قطع الرئيس المصري المدني الجديد الطريق على عودة العسكريين للحكم بقطعه الطريق أمام المجلس العسكري . .
rnفيما يتفق القانونيون و السياسيون في بلدان العالم المتحضر، على أن نظام الحكم و الحكومة المدنية هي حكومة تأتي عن طريق انتخابات بنزاهة يعترف بها، وفق دستور و قوانين انتخابات وأحزاب و محكمة عليا . . و أن تتبارى الأحزاب لكسب الناس بمطالب و صيغ مفهومة و مقبولة، تأخذ طريقها إلى التطبيق الفعلي إن فاز الحزب أو التجمع المعني و تشعر الجماهير بفائدتها و تحقق لها حرية و رفاهاً أفضل .rnو في البلدان التي قامت على الأسس المدنية تركّز الأحزاب فيها و تتبارى في الانتخابات على المطالب الحياتية الآنية بلغة الجماهير الشعبية، أكثر من مباراتها على تنظيراتها و أهدافها الستراتيجية البعيدة أو عقائدها المقدسة ، على أساس دستور و قوانين تقدمية صالحة للتطبيق من وجهة مدى استفادة الغالبية الساحقة من الشعب منها، قوانين يمكن الالتزام بتنفيذها بتوافق القوى الفاعلة في المجتمع و ليس المتنفذة منها فقط ،أو الساعية لأن تتنفذ ،وبالتالي لأن تحكم وحدها، الأمر الذي لا يمكن إلاّ أن يؤديّ في النتيجة إلى قيام دكتاتورية تحكم بالعنف (*)، و خاصة في بلد متنوّع التكوينات القومية و الدينية و المذهبية و الفكرية و الثقافية، كعراقنا . . rnو إذا كان هناك من يرى أن العسكريين يحكمون بأساليب عسكرية و ينفردون بالحكم، لأنهم يحملون عقلية و ثقافة عسكرية، و لأنهم خاطروا بأنفسهم ـ مهما كانت القوى الساندة لهم ـ لإنجاح انقلاباتهم العسكرية . . فان المدنيين الذين يأتون عن طريق انتخابات تشريعية عامة لايمكن بأي حال تبرير لجوئهم إلى العنف و إلى القوانين العسكرية و قوانين الطوارئ، التي يبقى خطر الرجوع إليها قائماً لأن البلاد حُكمت لعقود طويلة بالأحكام العسكرية و تكوّنت في البلاد (ثقافة و عقلية العنف) واستمرت، و لأن الرئيس المدني ـ عندنا رئيس الوزراء ـ هو القائد العام للقوات المسلحة . . rnفالدكتاتور صدام لبس بدلة الجنرالية دون تأهيل عسكري و بتوقيت أعدّ له، و ألبس أعضاء (مجلس الثورة) البزّات النظامية لذلك بتوقيت تلاه، و حكم حكما عسكريا إرهابيا، الأمر الذي يزداد خطر تكراره مجدداً في بلادنا إثر إعادة العديد من ضباط المؤسسة العسكرية الصدامية، بمن فيهم كبار الضباط و القادة، إلى القوات المسلحة، إضافة إلى تزايد نفوذ كبار الفرسان (الجاش) في مناطق كردستانية . . rnو يرى محللون بأنه يمكن لأي مدني يحمل صفة قائد عام لقوات مسلحة أن يفعل مافعله صدام، في بلد من بلدان العالم النامي، من التي حكمها عسكريون أو دكتاتوريون، و خاصة البلدان التي لم تتبلور فيها الطبقات و الفئات الوسطى، أو أعيق نضوجها أو حوربت و حوربت فيها الثقافة و الرأي الآخر . . أو بنيت على أساس الدولة الريعية التي لاتعمل فيها الدورة الإنتاجية الطبيعية، لأسباب متنوعة . .rnو يرون أن الدولة المدنية لاتتأسس أو تشاد بالعنف، و إنما على أساس دستور مصوّت عليه ومعمول به، و حكومة تأتي عن طريق انتخابات قوانينها و آلياتها تكرّس الحقوق و الواجبات المنصوص عليها دستورياً . . و تحمي تساوي المكونات الأصغر مع الأكبر، المكونات الأصغر التي لايمكن أن تنال حقوقها المشروعة إلاّ بالديمقراطية لعموم البلاد . . دولة تحمي حقوق الكتل الصغيرة، فالجديد يأتي في العادة بداية من الأقلية لأسباب كثيرة لايتسع لها المقال ـ و خاصة في البلدان النامية ـ . . و قد شهدت بلداننا كيف حمل الجديد أقلية في بادئ الأمر لتكبر و تطغى إن نالت تأييد الفئات الواسعة المسحوقة برجالها و نسائها، لتبنّيها مطالبها و النضال من أجلها .rnو فيما يؤكد متخصصون على أهمية إبعاد الجيش عن فض النزاعات الداخلية و تفرغه لحماية البلاد و حدودها، فإنهم يحذرون من مخاطر الأجهزة الخاصة التي قد تتكون عفويّاً ـ إن لم يكن مخططاً لها ـ ، بفعل التسرع في تلبية الحاجات أو انعدام الثقة بالمؤسسات الدستورية و بالقوى الأخرى، لتقع تلك (الحكومة المدنية) في فخّ التطرف و لتولّد بذلك تطرفاً مضادّاً . . لايؤدي الصراع بينهما إلاّ إلى العودة إلى الحكم العسكري و إلى العودة إلى دكتاتورية من نوع جديد . rn و يتفق الباحثون على أن الدولة المدنية تصون و تدافع عن الحقوق و الحريات المدنية العامة التي تشمل حرية الرأي و المعتقد الديني و المذهبي، حرية النشر و التأليف و التعبير عن الأفكار وحرية الكتاب و المطبوع و بيعه و اقتنائه إضافة إلى حرية النشر في الانترنت بقوانين تثبّت و تنظّم كل ذلك وفق دستور البلاد المصوّت عليه . . لا كما جرى من هجوم على " شارع المتنبي " ملتقى الكتاب والثقافة في بغداد طيلة أجيال بحجة ( النظافة ) و كأن العاصمة تزهو بنظافتها !! أو بمهاجمة منظمات المجتمع المدني و النوادي الاجتماعية و الاعتداء على حض
الحكومة و الدولة المدنية إلى أين ؟
نشر في: 26 سبتمبر, 2012: 07:04 م