يعقوب يوسف جبر في ظل المجتمع المدني تبرز لغة الحكمة والفهم والثقة المتبادلة والحرص من جميع أفراد المجتمع على حقوق الجميع ، فمثلما يحرص الفرد على حماية حقوقه الخاصة يجب أن يحرص في نفس الوقت على حماية حقوق الآخرين ، وهو دليل نمو في الوعي المدني الجمعي والاجتماعي واضمحلال نزعة النيل والانتقام من الآخرين ،
حيث تختفي ظاهرة تسلط الأقوى أو استخدام السلطة لإجبار الآخرين على الخنوع ، وينطبق هذا المعيار على القائمين على شؤون الدولة وليس فقط على المجتمع بجميع فئاته ، فمثلا نتيجة انتشار مبدأ الاستبداد شاعت ظاهرة التسلط من خلال المكاتب والمناصب ، فثمة موظفون ومسؤولون ومدراء دوائر يستغلون قوة مناصبهم لابتزاز المواطنين وإجبارهم على دفع الرشاوى مقابل ترويج معاملاتهم ، وعندما يشعر المواطن بالرهاب النفسي نتيجة شيوع هذه الممارسة البيروقراطية ( سلطة المكاتب ) سيندفع تلقائيا باتجاه الاستجابة لضغط هؤلاء الفاسدين لأنه غير محميّ من الدولة والمجتمع ، وهذه ظاهرة خطيرة تتناقض مع قيم ومبادئ حقوق الإنسان المدنية ، بل هي ظاهرة سلبية تعود جذورها للمجتمعات البدائية غير المدنية التي تدب في أوصالها الفوضى والعنف والقسوة والقمع وتجريد الإنسان من إنسانيته وكرامته عبر إذلاله بمختلف الوسائل والسبل .حقيقة المجتمع المدني تتطلب توفير الفرص المناسبة التي بموجبها يشعر الإنسان بإنسانيته وآدميته وكرامته ، وهذا الشعور النفسي حق دستوري مشروع ، فمن حقه أن ينتفع به ويشعر به ويمارسه على أرض الواقع عبر آلية التعبير عنه ، أما لو لم ينتفع بهذا الحق فإنه إنسان مسلوب من قيمة الشعور والإحساس بمدنيته وكرامته وأمنه ؛ بل عوضا عن ذلك سيشعر بالدونية والقلق والتوتر وعدم الاطمئنان .إن الارتقاء بمستوى الوعي المدني لدى أفراد المجتمع يتم عبر تفعيل برامج توجيهية تثقيفية إرشادية تقوم بها وسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات التعليمية والتربوية ، وتتضمن هذه البرامج إيصال ونشر الخبرات العقلية والنفسية ؛ التي تساهم في تقويم الشخصية النفسية والمعنوية للأفراد ، منها تنمية وتحفيز دافع الحرص على أمن المجتمع لدى كل فرد وتبيان مخاطر استخدام العنف ونتائجه الوخيمة على المجتمع بأسره ، ومنها إلحاق الضرر المادي والمعنوي والنفسي بضحايا العنف ؛ وظهور الأمراض النفسية المختلفة بين هؤلاء الضحايا ؛ وإصابة بعضهم بالعوق الجسدي أو النفسي أو العقلي , بينما نجد أن تفعيل آليات الأمن المدني ونشر ثقافته بالتعاون بين أفراد المجتمع ومنظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام والمؤسسات التعليمية ؛ سيساهم في نمو مجتمع ناشط وفاعل قادر على البناء والاستمرارية له القدرة على معالجة الخلل ومن ثم بلوغ التكامل المدني ، ومن الطبيعي أن المجتمع الحديث العهد في مجال التنمية المدنية سيمر بتجربة شاقة لتغيير طبيعة سلوكياته غير المدنية لكي يستبدلها بسلوكيات مدنية رصينة .في العراق ما زلنا نواجه ظاهرة العنف وتهديد أمن المواطنين من داخل المجتمع نفسه بسبب غياب مفهوم الوعي المدني وافتقار بعض الأفراد لأخلاقياته ، معنى ذلك أن مجتمعنا لم يسر بعد في طريق التمدن والمدنية بخطى واضحة ، لذلك ثمة حاجة ماسة لبذل جهود واسعة لرسم خطى المجتمع ونقله من مرحلة التخلف إلى مرحلة التمدن.من المنطقي أن بناء الفرد المدني يتجسد في تنشئته تربوياً أولاً عبر الترويج لمفاهيم المدنية برمتها ؛ منها حمله على استيعاب مفهوم التفاعل مع الآخرين نفسيا واجتماعيا والتعاون معهم لبناء الحياة المدنية المستقرة الصالحة ، ودفعه باتجاه تربية ذاته لكي تكون رافضة لكل وسائل العنف والقسوة حتى على مستوى الشعور النفسي الذي يصاحب البعض لأنه راسخ في نفوسهم رغم تظاهرهم بالتسامح ، لذلك من مقتضيات بناء الذات مدنيا ؛ ترسيخ جذور المشاعر المدنية منها حب الآخرين والتفاني من أجل تحقيق منفعتهم ، بحيث تكون هذه المشاعر على شكل معتقدات لا يمكن للفرد أن يتخلى عنها ، ومن هذه المشاعر حب الوطن وحب الأسرة والرغبة في المساهمة في نشر القيم الفاضلة ،كالتعاون الذي يعد أساسا متينا لقيام مجتمع ذي صبغة مدنية .
حماية الحقوق المدنية
نشر في: 28 سبتمبر, 2012: 05:40 م