ترجمة/ عادل العامليتّسم أسلوب الفن المصري القديم بالوضوح على نحوٍ فائق، فالشيء الذي عمره ثماني سنوات يمكن تمييزه في لحظة. وثباته وتصنيفه هما واحدة من أكثر الرحلات البصرية ملحميةً في الفن كله، رحلة تستمر على مدى 30 سلالة حاكمة تمتد على 3,000 سنة.تلك هي الفترة التي نعرفها جميعاً وفقاً لفراعنتها و أهراماتها و أبو هولها، و توت أنخ أمون و رمسيس، كما يقول جيري سالتز في عرضه النقدي هذا.
ففي المعرض الباهر المقام في المتحف الميتروبولي للفن خلال الفترة 10 نيسان ــ 5 آب 2012 ، تحت عنوان " فجر الفن المصري" ، فإن المرء لن يرى شيئاً من ذلك. فهذا العرض يغطي السنوات ما بين حوالي 3900 قبل الميلاد و 2649 قبل الميلاد، أي فترة ما قبل أن تصبح مصر مصراً، و يفتح نافذة روحانية على الكيفية التي ظهرت بها أشكال الفن المصري و فِكَره و صوره إلى الوجود. و مع أنني أستسيغ فن السلالات الحاكمة dynastic ــ خاصةً الثامنة منها الرائعة ــ فإن فترة ما قبل السلالات هي المفضلة عندي. و في هذا المعرض لن ترى أقل من اكتمال الانمساخ metamorphosis الطويل من عقل العصر الحجري الحديث إلى العقل الحديث، و التفاعل مع العالم بطرق جديدة. كما أنه قديم بشكل لا يصدّق : أكثر قِدماً بالنسبة ليوليوس قيصر من قيصر بالنسبة لنا.و لفهم الكيفية التي حدث بها هذا الفن، علينا إدراك أن الطبيعة و الطوبوغرافيا هما كل شيء في مصر. فالجزء الملائم للعيش من البلد و هو وادي النيل البالغ 600 ميل طولاً و عدة أميال عرضاً، أي شقة من الأرض مسكونة بكثافة و محصورة بواسطة صحراء تامة و لذلك فلا منفذ لغزوٍ إليها. و هناك مشكلتان : الأولى، أنها لا تمطر أبداً. و الثانية، أن النهر يفيض في كل صيف ( حتى بنيت سدود القرن العشرين ). فكانت الأرض تتطلب إدارة و اتحاداً صارمين لاستخدام الغريَن الغني الذي تجلبه الفيضانات، و كان يتخذ شكلاً، بدءاً من حوالي 4400 قبل الميلاد، من " الاستبداد المائي " ــ و هي سيطرة كلية للفراعنة، تديرها بيروقراطيات عالية التكوين. و صار يُنظر إلى الفراعنة كآلهة على الأرض، الذين يسيطرون على المياه، و يسمحون بالزراعة و رعاية الحيوانات. و هكذا جاشت الحضارة، جالبةً الثروة و الفن.لقد ضم المعرض حوالي 180 عمل فني، 80 من مجموعة الميتروبولي الدائمة، و معظمها بحجم علبة وجبة غذاء تقريباً. و هناك أوعية، و مفارش، و لوحات ألعاب، و زوارق، و صور عديدة لزهور، و سعف نخيل، و ماء، و تلال، و شوارع، و ظبيان، و فيلة، و سمك (تنفث إحداها صغيرها من فمها )، و حيوانات أخرى.كما أن هناك القليل من التماثيل الكبيرة، بما فيها واحد يعد المسرح لكل الأشخاص الماشين تقريباً كي يأتوا. و في داخل وعاء صغير تماسيح تتشمّس على ضفاف نهر، و هي تتمدد في كل اتجاه، لأن هذا ما تفعله التماسيح في الواقع. و في مكان آخر من المعرض هناك وعاء عميق فيه مزيد من التماسيح تتشمس بين أعشاب و قصب منقول برهافة حس. و إلى قربها أربع من أفراس النهر، إحداها يمكن أن تكون حبلى، و هناك فرس طفل يجرجر نفسه في الخلف.و حين نظرتُ إلى تمثال ابن آوى المتمهل إلى الأمام على رأس إصبع قدمه، ، و ذيله المليء، و أذنيه المنتبهتين، بخطوته الوسط، فإن كل ما خطر في ذهني، وحش. ابن آوى. دائماً. و يقدم لنا مفرش أسداَ مفصّلاً يصطاده صيادون عديدون و هم يطلقون عليه السهام، و ظبياناً تعدو و يجري إمساكها بالوهق، و نعامة مرعوبة، و كلب صيد أو ذئب برارٍ ينشب مخالبه في وركي غزال. و يصوّر مفرش آخر طيور جيفة و هي تنهش في بقايا حيوان شوهها أسد قريب. و في هذين المشهدين يرى المرء بداية النقش و الأسلبة stylization اللذين سيصبحان قريباً أسلوب البوق clarion المعروف لدينا جميعاً.عن / artnet
"فجر الفن المصري"..قبل حكم السلالات
نشر في: 28 سبتمبر, 2012: 05:52 م