علي النجارليس العبرة في أن يكون ولعنا فائقا في إقامة المهرجانات والأنصاب النحتية، حتى ولو كانت بنيتنا الاقتصادية أو الاجتماعية تعاني خللا واضحا، ما دام موروثنا الفني ضاغطا لحد إقصاء كل دخيل قادم من عالمنا المعاصر.
وقلة هي من أدركت بأن في هذا الكم من الموروث تفاصيل من هذا العصر أو ذاك، أو رموز تحمل دلالات لا تستطيع كل الدهور الماضية أن تطمر خزينها الدلالي المتجدد، وان كان المفكر أو المعماري أو الفنان النابه الذي ينتبه الى بنية هذا الموروث الفاعل ويجتهد للكشف عن جوهر حراك فعله المقارب أو المتفاعل والمنجز الكوني المعاصر(ونحن بعض من قاطنيه)، فبالتأكيد سوف ننتج أصالتنا الفنية ـ الثقافية المعاصرة. ولا ضير أن نكون متممين لمنجز الماضي العريق، ما دمنا قادرين على قراءته و هضمه ثم تمثيله بجد.كهرمانتنا التي لا تزال تصب ماءها على الأربعين (حرامي). والتي كانت في ألف ليلة وليلة تصب الزيت المغلي من خلال فتحات (البساتيك) الأربعين على قحف جماجم اللصوص الذين خدعتهم بحشرهم داخلها. وعلينا تخيل قساوة هذا الفعل (القتل) السادي. وتاريخنا الغابر والمعاصر مليء برعب وسادية حوادثه. فلو فعلها المرحوم (محمد غني) وجعلها فعلا تصب الزيت ذاته على (بساتيكه) الأربعين (بالتمام والكمال)، لحدثت كارثة بيئية تتمثل: أولا في كثافة البخار الساخن الذي سوف يغطي الساحة كلها، إن لم يتجاوز على فضاءات أبنيتها المحيطة. وثانيا سوف يحدث التلوث أو التسمم الذي لم ينج منه العابرون لفعل تكرار تسخين الزيت حد احتراقه وتناثره على عباد الله. ونحن في غنى عن هذا التلوث الجديد، بعد أن ضرب تلوث أسلحة اليورانيوم أطنابه في ربوع بلدنا. فهل يا ترى انتبه نحاتنا محمد غني حكمت لهذه الزلة. وهل علينا أن نتحمل أعباء زلات أخرى في مرجعيات دلالات أنصابنا التذكارية الجديدة.نعيد تساؤلاتنا بصياغة مشابهة، ومختلفة، في آن واحد عن مرجعيات دلالات ورموز وشكل نصب العراق الجديد (الذي فاز في المسابقة) والذي من المؤمل البدء في تنفيذه في ساحة الفردوس، ولو من باب الاجتهاد (والمجتهد له حسنات إن أصاب، وحسنة واحدة إن اخطأ) كما علمنا الزمن العراقي الحالي.بعد إعادة المسابقة الأولى التي لم تكن نتائجها مشجعة، تم اختيار مصغر النصب (الماكيت) الذي صنعه النحات (عباس غريب). في اعتقادي أن لعامل الوقت الممنوح لزمن المسابقة (60 يوماً) دوراً في حسم قرارات اللجنة المسؤولة عنها. بما أن بغداد سوف تكون عاصمة للثقافة العربية العام القادم. فعلينا أن نظهرها بالمنظر اللائق بها. ومن ضمن هذا المظهر استحداث نصب للعراق في هذه الساحة التي شهدت رمز القضاء على النظام الدكتاتوري السابق. وان كان هذا الأمر مبررا ظاهريا. فلا يعني أن نجازف بإنشاء نصب يمثل العراق، وسوف يبقى أثرا دائما لفننا وعمارتنا المستقبلية (واكرر، المستقبلية) والذي سوف يعبر بنا للزمن المعاصر كما في العديد من المدن العالمية وحتى العربية الجديدة. فهل راعى مصمم النصب ولجان التحكيم والقرار السياسي ذلك في اتخاذ هذا القرار. أو كما هو الحال السابق تبقى هكذا مشاريع خاضعة للقرارات الآنية والمستعجلة.لنبدأ بكونه نصباً يتعدى التفاصيل النحتية إلى الشكل (الفورم) المعماري. فهل يتحقق هذا الشكل في هذا التصميم الفائز. اعتقد أن جزءاً من هذا الجواب متوفر في الأنصاب المتشابهة الأهداف الموجود في العديد من دول العالم، شرقها وغربها، والتي اشرف على تنفيذها معماريون مشهود لهم كفاءتهم المهنية محليا وعالميا. فنصب كهذا (يحمل اسم البلد بإرثه وحاضره ومستقبله) سوف يتحول إلى إيقونة لا يمكن إغفال هيمنتها الصورية في زمن الصورة الحالي. فهل خلا العراق من معماري كفء لفعل هذه المعجزة (من الإعجاز الإبداعي). علما أنه ربما يتعاون أو يختار الفنان أو النحات الذي سوف ينفذ له التفاصيل النحتية المتممة لهيكلية النصب وبما يتفق مع أسالبيه التصميمية، إن احتاج إلى ذلك.هل أقنعنا النحات عباس غريب بان هيكله النحتي هذا يمثل بغداد المدورة (من ضمن تفسيراته). اعتقد انه يتعذر علينا استحضار هذا التصور كما نفذه. لكن المعمار سوف يلجأ إلى وسائله التصميمية الحديثة ليستنبط لنا تصورا معاصرا لهيكلية بغداد المدورة (الأثرية) بثقل استقرار إنشاءاتها الأرضية. مثلما استطاع المعماري الشاب (منهل الحبوبي) مصمم بناية مجلس الوزراء تحويل الرمز الأثري إلى هيكل نصب معماري معاصر، وكان مقنعا في تفسيره لمراحل التحول من شكل الرمز الأثري إلى الهيكلية المعمارية (الفورم) المعاصر. في سعفاته الثمان عشرة (محافظات العراق) المفترضة، فقد النحات جوهر شكل السعفة، وكاختزال معماري وبالمناسبة، وجريا مع عناصر تصوراته، فان السعف(نخل) لا يتواجد في بعض محافظات العراق. لكن ولع نحاتينا بالتفاصيل الكثيرة (وليس بالاختزال والتحوير المعاصر) هو الغالب في عملية إنشاء تصوراتهم. واعترف بأنه ولع موروث(الأرابسك) وينقصنا الحس الاختزالي وصولا لجوهر الفكرة، لا بعثرتها. وهنا في هذا النصب نجد بعثرة لتفاصيل كثيرة تفقدنا حس التأمل. واعتقد أنها وبهذا الشكل بعثرت عناصر التصميم المعماري (
تصورات عن نصب العراق المقترح إنشاؤه
نشر في: 28 سبتمبر, 2012: 05:53 م