باسم عبد الهادي حسنلكل شعب اخلاقياته وسلوكياته التي تشكلت عبر سنوات بل عقود من الزمن لتكون ما يعرف بالمنظومة الخلقية في اي مجتمع وهي نتاج لتأثير عوامل مختلفة منها التعاليم الدينية والعرف والعادات الاجتماعية والانظمة والقوانين المدنية فضلا عن المؤثرات الخارجية من خلال العلاقة مع الشعوب الأخرى ,
وعلى الرغم من ثبات بعض العوامل الا ان حركية العوامل الاخرى تجعل هذه المنظومة في تغير مستمر ولا أقول في تطور لأنها قد تتراجع احيانا عما كانت عليه في وقت سابق لمؤثرات سلبية كالحروب والكوارث الطبيعية وضعف الانظمة والقوانين.ان اخلاقيات وسلوكيات مهنة التجارة تعد جزءا من المنظومة الاجتماعية لاي مجتمع ونتاج طبيعي لاتجاهاته العامة الا ان اختلافها عن باقي سلوكيات المهن الاخرى يكمن في قدرتها على التأثير في تشكيل المنظومة الخلقية العامة وهذا يعود الى سفر التجار الدائم واختلاطهم بالاقوام والشعوب الاخرى وبالتالي تأثرهم بتلك الشعوب ونقل بعض سلوكياتهم الى مجتمعاتهم وهنالك الكثير من الشواهد التاريخية التي تؤكد تأثير اخلاقيات التجار والتي منها انتشار الدين الاسلامي في عدد من بلدان آسيا نتيجة حسن اخلاق التجار المسلمين المنبثقة عن تعاليم الاسلام مما ساهم في قبول هذا الدين في تلك البلاد.بالامس كانت الكلمة هي رأس مال التاجر وكانت المصداقية هي احد اهم اسباب الربح فما الذي حصل اليوم ياترى؟ وهل تغير التجار ام تغيرت التجارة؟ لا اعتقد اننا يمكن ان نختلف على الاجابة فالتجارة لم ولن تتغير بل على العكس فقد تنوعت وتوسعت والعراق اليوم على سبيل المثال يعتمد على التجارة بنسبة يقدرها البعض باكثر من 90% في تلبية احتياجاته وبالتالي اصبحت مصدرا اكثر ربحية مما سبق ومن ثم فمن تغير هم التجار ولكي نكون منصفين وموضوعيين ليس كل التجار فلايزال هناك من التجار من يؤمن بان من غشنا ليس منا وان قليلا دائما خير من كثير زائل وان خزن البضاعة لرفع سعرها في المناسبات الاجتماعية والدينية (الاحتكار) "حرام" ولكن بالمقابل هناك الكثير من التجار (او المحسوبين عليهم) قد رفعوا اسعار بضائعهم مع مناقشة قانون التعرفة الكمركية في البرلمان وقبل ان يعرفوا هل سيقر ام لا , ويرفعونها مرة اخرى فقط لقدوم العيد وليس لاي سبب دون ان يكون الوازع الديني او الاخلاقي رادعا كافيا لهم.وفي ظل جمود اليات العرض والطلب في السوق العراقية (لاسباب عديدة لايسع المجال لها) واضطرار الكثير من العوائل الفقيرة الى شراء السلع الرخيصة بغض النظر عن الجودة بسبب محدودية دخولهم يحاول أولئك التجار تحقيق اكبر قدر من الربح وبأي شكل كان ضاربين باخلاقيات التجارة عرض الحائط واضعين كل من تمسك بها في اطار منافسة غير عادلة ولهذا فان الحل الوحيد للحفاظ على ما تبقى من اخلاقيات التجارة ولانقاذ السوق العراقية من البضاعة الفاسدة وتجار الازمات هو ان يتم تفعيل عمل الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية فضلا عن وضع الضوابط والقوانين الرادعة وتطبيقها بما يعيد للتجارة والتجار قيم وسلوكيات حضارة عمرها اكثر من ستة الاف عام ويعيد للمستهلك حقه في الحصول على سلع "درجة اولى" او "باب اول" كما يقول تجار هذا الزمان.
اوراق اقتصادية: أخلاقيات التجارة
نشر في: 28 سبتمبر, 2012: 07:34 م