TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > مرثية سركون بولص إلى الأحياء

مرثية سركون بولص إلى الأحياء

نشر في: 29 سبتمبر, 2012: 07:15 م

د. فاضل سوداني عندما رمى سركون بولص ساعته السومرية في البحر اكتشف ما بعد الجحيم البشري وما بعد القيامة. مما اضطره أن يكتب مرثيته إلى الأحياء. ففي هذه القصيدة يضع سركون عالمنا وتاريخه الدموي أمام أعيننا بعد أن اكتشفه كنقيض لعالمه الشعري. وكعراف معاصر 
rnملتاث بالنبوءة لا يكتفي باستحضار التاريخ القديم بل وتاريخنا الآني ومستقبله الذي سيدونه ليعاينه من جديد، لأن الشاعر هو المتنبئ بالمستقبل . وفي هذا الصدد ومنذ البداية يضعنا سركون في جو الرعب الذي يهيئنا إلى ما كان وما سيأتي من المآسي:ستذكرُ كيف كانَ المذيع/ينقٌ بالأخبار كالضفدع في كهفه الشفّـّافrnويُطلق فقاعاتِ الموت من فمهِrnمتشدقاً عن مزاياrnالتكنولوجياrnفي صنع الأسلحة الفتّاكةrnبينما ترى التاريخَ في عينيه الفارغتين يَدْمىrnونهرَ الدمِ يجريrnوليس قاسيا القول بان الإنسان كائن مسلوب الإرادة والقدرة ولا يمكن أن يحمي نفسه من إشعاعات الموت التي هي مزايا الأسلحة التكنولوجية، لأن ما يحمي هذا الكائن المعاصر المهووس بتخريب عالمه هو كهف شفاف مثل كهف الضفدع البائس الذي ينق غضباً، وليس هنالك من شفيع لهذا الكائن مادام التاريخ ذاته مدمى ونهر الدم ما زال يجري متدفقا بلا انقطاع.rn     إذن هي لعبة الحرب والدمار مرة أخرى تمارس طوال التاريخ لتعيد كتابة دمويته، فلا ينسى الشاعر هذا أبداً لأنه متناقض مع إنسانية رؤاه الشعرية ـ البصرية:rn rnستذكرُ ولن تنسىrnولن تريد أن ترى ما تراهُ.rn rnوبالرغم من أن القصيدة تبدو وكأنها معالجة  لليومي عندما تتحدث عن حرب مجانية قُصفت فيها مدن الشاعر بسبب جنون ونزوات الدكتاتور ورؤسائه وساسته، إلا أن الحرب تبقى طموحا كونيا يتكرر باستمرار بسبب رأسمال البزنس، فتعاني منها جميع الكائنات. وعندما يتناولها الشاعر ببعدها الميتافيزيقي في قصيدته، فإنه ينقذها من المباشرة واليومية من أجل امتدادات الحلم الذي هو وسيلة الشاعر والإنسان العادي، يعيش في عالم مملوء بالعنف وينتج الموت المجاني اليومي على مدى التاريخ.rnيقول هاملت لبولونيوس: "أنهم خلاصة العصر وموجز تاريخيه . خير لك أن يكتب على قبرك بالسوء بعد موتك، من أن يذكروك هم بالسوء في حياتك". rnوهو يعني الممثلين طبعاً ، ولكن أليس الشعراء  هم أيضاً  خلاصة العصر وموجز تاريخيه، أولئك الذين ستكون لعناتهم  على معاصريهم أكثر قسوة وعنفاً، لأنهم أصحاب الرؤى والبصيرة التي تكشف سر الأشياء.rnوهنا وفي هذه القصيدة نشعر بعنف اللعنات التي يصبها الشاعر على رموز عصره. حيث يلعنهم ويشبههم بدونيتهم المنقرضة:rn"الجامعي المأجور، اليربوع المُداجي، وكيل العنكبوت،rnقاعة المؤتمرات، عيني الذبابة"rnفإذا كان هذا التاريخ الآني تؤسسه مثل هذه الأشنات والنكرات الفائضة عن الوجود بالرغم من أنها تبث سمومها وتتحكم بعالمنا، سيكون بالتأكيد تاريخاً صفراً، عدماً، ولا بد أن تُسحق رأس الأفعى فيه متمنين مع الشاعر نهاية هذا القرن اللعين الذي تباع فيه الكلمات بعد أن تتخلى عن قدسيتها، ويباع فيه الشرف والفكر في كل سوق.rn وها هو الشاعر محاصراً من كل أصناف التكنولوجيا التي تمارس وتكرر فصول الدم والجريمة بقصف الأمهات والأطفال وترمي جثثهم في الطرقات لتتعفن مادام الموت يرقص عليها. إذ يجول بحريته المعهودة في مدن طفولة الشاعر.rn ويظل التاريخ، تاريخ العنف والأباطرة، والشاعر هو القادر على خلط مختلف الأزمنة والأبطال الدمويين، فهو يربط بين خيانة يهوذا ونزق كليوباترا وقيصرها الذي يلتحف بها وهي تخبئ الثعبان بصندوقها بعد أن سقط من باب سري في التوراة والكتب الدينية الأخرى التي تحدثت عن جريمة آدم رمز البشرية.rn    كل هذه الأزمنة هي تاريخ لتكشيرة النصر الحاضرة التي يقودها قائد المرتزقة وبائع السلاح الانكشاري الذي يستملي الأعرابي ليمنحه التكنولوجيا كي يفرق بين الكمثرى والبراز في الوقت الذي تسير لحظة الألم فيه كسريان زمن يتحول كل شيء فيه إلى معنى الدم، ومذاقه مختلطاً مع مياه النهرين المذكورين في الكتب المقدسة ـ دجلة والفرات ـ. وهنا يتكشف لنا سركون بولص الساخر، الذي يمزج سخريته بألم غير مكرور .rnربما حلم الشاعر بنهاية العالم وهو يتجول في شوارعه، وهاهو يحلم الآن بالطوفان الذي لا بد أن يغرقَ أسس كوننا هذا. وسركون كما هو عادته يشير لمأساتنا التي تجعلنا نتشيأ حتى نفقد إنسانيتنا.rn

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

بغداد/ المدى تنطلق فعاليات الدورة الخامسة من معرض العراق الدولي للكتاب، في الفترة (4 – 14 كانون الأول 2024)، على أرض معرض بغداد الدولي.المعرض السنوي الذي تنظمه مؤسسة (المدى) للإعلام والثقافة والفنون، تشارك فيه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram