هاشم العقابيظلت قفشة "الشاي بالشاي يذكر"، التي باغتني بها شاب مصري ذات مرة، تمر بخاطري بين حين وآخر، فأبتسم. واليوم لا أدري لماذا عرّقتها فصارت "الچاي بالچاي يذكر". عملية التعريق هذه، رغم بساطتها، أفرغت القفشة من طرافتها وبثت بنفسي شيئا من الكدر. لاحظني صديقي فسألني
rn ها خير، هم "اتكأبت"؟ يمكن. ليش؟ ما أدري. وهذه الـ "ما أدري" قد يتقبلها صاحبي من غيري، أما مني فلا: إذا أنت المختص بعلم النفس وتكول ما أدري، لعد غيرك شيكول؟ وفي كل مرة اذكره بان الدراسات النفسية تقول إن أكثر من 90% من المصابين بالاكتئاب لا يعرفون السبب. مع هذا يعيد السؤال ذاته كل مرة.rnأفضل طريقة للخلاص من الكآبة، هي الخلوة مع الذات. فلا تحتاج، إن مستك الكآبة، غير سرير تتمدد عليه أو كنبة للاسترخاء. ثم تطلق العنان لانسياب أفكارك وفق قانون "التداعي" كما يصطلح عليه علماء النفس. وهنا تبدأ الذكريات تجر الذكريات. سالفة تجر سالفة. الغاية هي انك قد تكتشف سبب كآبتك في واحدة من تلك "السوالف". وعندما تعيش مع السالفة المكدرة وكأنها أمامك، تكون قد نقلتها من اللا شعور إلى الشعور. هذه النقلة هي التي ستخلصك مما أنت فيه في أغلب الحالات المحزنة وليس كلها طبعا.rnخلوت بنفسي وتركتها تستعرض الذكريات والسوالف على راحتها. لاحت أمامي صورة الشاعر ناظم السماوي الذي منح العراقيين واحدة من أجمل أغانيهم. "يا حريمة". كان لا يشرب ولا يدخن لكنه زير شاي. الله وحده يعلم كم "قوري" من الشاي استهلك يوم كتب تلك الأغنية الخالدة.rnوربما لأني عشت لحظات متخيلة مع صديق عزيز، خف حزني قليلا فدبت في داخلي طاقة دفعتني للبحث في "جوجل" علّي أجد ربطا بين الكدر والشاي. وفي أول صفحة للبحث طلت أغنية "خدري الچاي خدري" بصوت أكثر من مطرب ومطربة عراقيين. كلمات الأغنية، كما تعلمون، حوار بين شخص يطلب الشاي من يد عراقية عاشقة لكنها تقسم أن لا تعمل الشاي إلا بحضور حبيبها. إضراب.rnلا املي السماور ولا اغسل الماعونrnوالنار اطفيها من دموع العيونrnوحين يلح عليها صاحبنا يتحول إضرابها إلى "أعمال شغب":rnاي والله وحياتك ابدا ما اخدرهrnوآخذ فاس بيدي للقوري واكسرهrnكملت السبحة! امرأة متأبطة فأسا وتحت قدميها شظايا "الفرفوري" وهي تبكي فوق النار لتطفيها بالدموع. ماذا أبقت بنت الحلال هذه للكآبة والرعب؟rnتذكرت في لحظتها أن الأغنية ذاتها قد غنتها مسعودة العمارتلية التي صار اسمها مسعود بعد أن "استرجلت". بحثت عن أغنيتها فوجدتها تقول للمسكين الذي يتوسلها أن تعمل له الشاي: "سموم المن اخدره؟". رقة عراقية من نوع خاص جدا. وهنا لا تهد مسعودة على القوري بالفأس، بل تنادي حبيبها: rnلا لا الحلو لا لا بس اطرد امكrnتخيلت حال المسكين الذي عليه أن "يجتث" أمه كي يحظى باستكان جاي! rnالتفتُّ لصاحبي الذي وجدته يستمع معي للأغنية فسألته: بربك هذا استكان جاي لو مصيبة وطاحت على راس المسكين؟ لكنه لم يجبني. تطلعت بوجهه فوجدته مهموما محزونا. هاي شبيك؟ صدري انقبض. ليش؟ ما أدري. قالها ثم توجه نحو الباب. وين؟ أروح أتمشى بلكي أرتاح اشويه وهم أتركك تكتب عمودك.rnrn
سلاما ياعراق : عن الچاي العراقي
نشر في: 29 سبتمبر, 2012: 07:25 م