TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > العمود الثامن: المالكي فـي حدائق أبو نؤاس

العمود الثامن: المالكي فـي حدائق أبو نؤاس

نشر في: 29 سبتمبر, 2012: 10:07 م

 علي حسينأمس قررت مجموعة شبابية أن تقول للعالم: مازال في العراقيين رمق حياة، يثورون، يغضبون يرضون، ينخدعون لكنهم شعب يرفض الموت، شعب يؤمن أن ثقافة الحياة هي التي قدمت الأوربيين إلى العالم، رسل علم وفكر وتقدم ثقافة الحياة هي التي أنجبت الكرملي والشبيبي ومصطفى جواد وحقي الشبلي والرصافي الكبير وشيخ التنويريين الزهاوي ونزيهة الدليمي وغيرهم عشرات،
 فيما ثقافة الطائفية لم تنجب لنا سوى عدنان الدليمي وطارق الهاشمي وعلي الشلاه وعالية نصيف وغيرهم مئات الجالسين على أنفاس العراقيين، أمس وأنا انظر إلى الوجوه المشعّة بالفرح والأمل، تذكرت ما يفعله ساستنا الأشاوس حين يصرون على إشاعة مظاهر التخلف عبر ممارسات تعيد العراق إلى زمن العصور الوسطى، فالموسيقى حرام لأنها تثير الغرائز، والغناء رجس من عمل الشيطان، والقراءة مهنة العاطلين، ونحن نريد أن نؤسس لثقافة التزوير والمحسوبية والانتهازية. ساسة يتخيلون ان العراق لا يمكن ان يعيش الا بأنفاسهم، فيما شباب يوزعون الكتب التي تخبرنا أن لايمكن ان نتخيل عالماً لم يولد فيه تولستوي، اومارسيل بروست او فكتور هيجو او المتنبي؟، ولا يمكن قراءة تاريخ العرب من دون المرور بأصحاب المعلقات وإعجازهم اللغوي، والتأمل في نقائص الفرزدق وجرير؟ فهل يمكن أن نقرأ تاريخ فرنسا بمعزل عن سارتر وبودلير وكامو، واليونان بدون أفلاطون، وايطاليا من دون دانتي، وألمانيا من دون غوته، وتشيلي من دون نيرودا، واسبانيا من دون لوركا؟ والعراق من دون الجواهري والسياب، ما الذي سنبقيه للأجيال شاهدا على سنوات المحنة هذه، خطب سياسيي الصدفة أم قصائد موفق محمد؟لنتخيل وحشة هذه الأرض لو لم ينثر عليها المتنبي كلماته، أو لو لم يحملنا دستوفيسكي إلى داخل النفس البشرية، أحرار علمونا كيف نحترم أنفسنا، علمونا قيمة وأهمية الحياة، قيمة الأرض وعظمة الإنسان.لعل إحدى أبرز مشاكل القوى السياسية الحاكمة في العراق، أنها تدعي العمل ليل نهار لترسيخ الثقافة وإشاعتها، بينما تقوّض في تصرفاتها العملية كل الأركان الواجب الحفاظ عليها لمثل هذه الدولة المدنية، ولدي نموذج صارخ على هذه الازدواجية التي تعاني منها بعض النخب السياسية، فقد تابعت العديد من البيانات والشعارات التي أطلقها رئيس الوزراء حول دور المثقفين في بناء الدولة، ونادى المالكي أكثر من مرة بمشروع إشاعة الثقافة الوطنية، وقد كنت مثل غيري من العراقيين أتابع أنشطته المالكي ومشاركاته في المناسبات السياسية والحزبية والتي خرجت منها بحصيلة تقول إن السيد المالكي لم يحضر مؤتمرا أو تجمعا للقوى المدنية والشبابية.. والمرة الوحيدة التي ذهب فيها لشارع المتنبي لم يدخل المكتبة العصرية.. ولا حث الخطى للمشاركة في احتفاء بيت المدى بذكرى علي الوردي، لكن أفواج الحمايات قطعت الطرق والجسور من اجل أن يتناول رئيس الوزراء قدحا من الشاي في مقهى الشابندر.  الذي يقرأ خطب رئيس الوزراء يعتقد أن الحكومة مشغولة أصلا بالاهتمام بالمثقفين، فيما الواقع يقول إن المسافة بين الخطاب المعلن، والواقع المعاش على الأرض بعيدة جدا للأسف الشديد، وتكفي نظرة سريعة على ما يحدث في العديد من المؤسسات الثقافية لكي نكتشف أننا نعيش وهم التغيير، فالمراقب للوضع الثقافي في العراق سيصاب باليأس ويخرج بانطباع مرير بأن الحكومة لا يهمها أمر الثقافة في شيء. فالمثقفون كانوا يأملون بنخب سياسية تفهم طبيعة المجتمع العراقي، وتسعى إلى اختراق العقبات والحواجز لتصل إلى الإنسان العراقي وتقيم معه علاقة تفاعل مطلوبة من اجل خلق السجالات والتحريض على الرأي والمساهمة في تشكيل ملامح الحاضر والمستقبل، وقد يكون من المضحك أن نصدق أن هناك عشقا من الساسة للثقافة والمثقفين، الشيء الوحيد الذي يعشقه السياسي عند المثقف هو عدم تدخله فيما لا يعنيه واعني به محاسبة الساسة ومساءلتهم عن المحسوبية والبيروقراطية ونهب المال العام والمحاصصة الطائفية، فالمثقف في عرف ساستنا كائن خطير ينظر له بمنتهى التوجس والريبة، إلا من دخل حظيرة الحكومة جبرا أو اختيارا؟أمس كنت انظر في الوجوه وابحث عن سياسيي الميكرفونات فلم أجد احدا منهم.. مثلما لم اجد اثرا لهم في مهرجان القراءة الذي أقامته مؤسسة المدى قبل أشهر.. في كل نشاط ثقافي نبحث عن ساستنا ومسؤولينا فنجدهم اختاروا في تلك اللحظة أن يتصرفوا باعتبارهم ممثلين لمشروع طائفي لا يؤمن بالدولة المدنية ولا بثقافتها.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

بالحوارِ أم بـ"قواتِ النخبة".. كيف تمنعُ بغدادُ الفصائلَ من تنفيذِ المخططِ الإسرائيلي؟

تحديات بيئية في بغداد بسبب انتشار النفايات

العراق بحاجة لتحسين بيئته الاستثمارية لجلب شركات عالمية

الكشف عن تورط شبكة بتجارة الأعضاء البشرية

مركز حقوقي: نسبة العنف الأسري على الفتيات 73 % والذكور 27 %

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram