أحمد عبد الحسين اللص لا يشعر بالأمان أبداً. يستطيع بما سرقه توفير كل ما يبدو أنه بيئة آمنة له، أسيجة ومناطق عازلة، جند مجندة، سيارات مصفحة، ابتعاد دائم عن الناس، لكنه مع ذلك لا يغدو آمناً. ثمة صوت ينادي عليه "أيها اللص" صوت لا يسمعه إلا هو. ويظلّ الحرامي يقضي معظم وقته في تدبير أمور من شأنها إسكات هذا الصوت.. دون جدوى.
rn أتخيّل اللص إلا في مغارة، مغارة علي بابا، مغارته الخاصة التي يحملها معه حتى لو كان يسكن في ناطحة سحاب أو في المنطقة الخضراء.rnوبمناسبة الحديث عن المنطقة الخضراء، خذوا التدابير الأمنية التي فيها والتي جعلتها تشبه فعلاً مغارة علي بابا، إنها ليست في العراق، المنطقة الخضراء دولة أخرى، لأن السفر إلى هذه المنطقة السوداء المصخمة يتطلب هويات مخصوصة وإجراءات أعقد من الإجراءات المتخذة في مطارات العالم، هي دولة داخل دولة، كهف هندسه القائمون عليه ليشعروا بالأمان، إعداد وقائيّ يضاف إلى إعدادات أخرى كالمصفحات والجيوش التي تحفّ بهم وتعذيب المواطنين في الشوارع المزدحمة بسبب مرور مركبات أمراء اللصوص وشيوخ النهابين قطاع الطرق.rnاللص يطلب دائماً وأبداً مزيداً من الأمان حتى لو وضعوه في صخرة صماء في ليلة ظلماء في قعر محيط، يظلّ يتوجس شراً، يظلّ مرعوباً بسبب خوفه الشخصيّ الذي لا فكاك منه.rnهناك إستراتيجية أخرى يقوم بها اللص "وكل لص خائف وجبان بالضرورة" لتطمين نفسه، إنه يخيف مَنْ حوله، يوحي لهم بالرعب ليتشاركوا وإياه خوفه الأبديّ، يسلب أمان الناس ما دام هو مفتقراً للأمان. rnجزء كبير، بل الجزء الأكبر من سوء الوضع الأمنيّ الذي نحياه مكرهين؛ يتحمله الساسة اللصوص ساكنو مغارة علي بابا الخضراء، مشكلتنا أنهم ليسوا آمنين، يصرفون ميزانية دولة كاملة على أمانهم الشخصيّ أكثر مما يصرف أباطرة الشرق والغرب ولا يشعرون بالأمان، وما داموا كذلك لن يمنحونا أماننا، ولا ندري حقاً كيف ومتى تطمئنّ دواخل اللصوص لنطمئنّ نحن أيضاً.rnلا يتوقع أحد أن لصاً خائفاً يسكن مغارة ويخاطب الناس من وراء حجب يمكن أن يصنع بيئة آمنة للآخرين، إنه مهووس بأمنه الشخصي، وهو هوس سيستغرق عمره كله، ولا يأبه لخوف الناس. ولهذا فإن أخبار الأيام الدامية التي يسقط فيها أبناء شعبي من أطفال ونساء وشباب لا تهزّ شعر واحدة في لحية فرد من شعب دولة اللصوص في الخضراء، هذه الدولة المجاورة لبغداد التي يكثر فيها قطاع الطرق.rnهؤلاء الوحوش لن يصنعوا أمناً لنا، شغلتهم أن لا يصنعوا أمناً إلا لأنفسهم، سيظلّ عتاة المجرمين يهربون من السجون يومياً بمساعدة هؤلاء اللصوص ـ الساسة، وستظل السيارات المفخخة تحصد الشرفاء الكادحين الذين يرون في السرقة انتقاصاً للشرف والعفة والإيمان، وسيظل العراقيون البسطاء الطيبون السذج يطلبون أمناً من ساستنا اللصوص الذين لن يعطوا لشعبهم ولو كسرة أمنٍ مما يملكون.rnساكن مغارة علي بابا وساكن المنطقة الخضراء يعرفان أن الحرامي لا يشعر بالأمان ولا يمنحه لأحد.rn
قرطاس:أمن اللصوص
نشر في: 1 أكتوبر, 2012: 06:26 م