سرمد الطائيكيف اصدق كعراقي ان نفطنا اصبح “عاملا محوريا” في نمو الاقتصاد الصيني والاوربي وأنه اذا توقف فسوف “تتعرقل” امور عمالقة الصناعة؟ وبعد كل سنوات العزلة والفشل كيف سيتلقى سلاطين العراق اليوم هذا النبأ؟ هل سيجعلهم يحبون الشعب اكثر، ام سيشجعهم على الاعجاب بسلسلة اخرى من كوابيس التاريخ؟
القضية لم تأت على لسان مجرد مراقب، وإنما اكدها مؤخرا كبير مستشاري وكالة الطاقة الدولية الذي قال حسب بي بي سي ان “نفط العراق يلعب دورا محوريا، وأي تباطؤ في تطوير الانتاج العراقي سيؤخر النمو الاقتصادي في الصين وأوربا”!كعراقي يخيم اليأس فوق رأسي بسبب كومة القمامة عند ناصية الشارع، وبسبب كومة المليارات داخل البنك المركزي، استعيد جزءا من الفخر القومي والوطني وأنا اشعر ان في وسع نفط يرقد تحت بيوت الفقراء على اطراف البصرة، ان يعرقل اقتصادات عملاقة مثل ألمانيا والصين.ان مثل هذه التأثيرات تعني اننا نعود بقوة الى قلب خارطة المصالح الدولية، وأن العالم بحاجة إلينا وقد اصبح اخيرا مستعدا لتخصيص جزء من نفوذه لحمايتنا بعد ان نسيتنا الكرة الارضية عقودا طويلة وعشنا معزولين عنها.صاحبنا كبير الخبراء في منظمة الطاقة لا يدعي فقط ان مستقبل اقتصاد الصين واوربا سيتأثر بنفطنا الذي نستخرجه من تحت بيوت الحواسم والمعدمين على اطراف العمارة وكركوك وتباشير الغاز والبترول في الرمادي وواسط، بل يقول ايضا انه “لا احد في العالم يستطيع مجاراة العراق في امكانية تطوير حجم صادرات النفط حاليا”.نعم اننا نحتاج مديحا من هذا القبيل كي نثق بأنفسنا، وكي ندرك ان من حقنا ممارسة الاحلام رغم انف شريحة من “قصيري النظر” ترسم سياساتنا في كثير من مفاصل الدولة وتحلم لنا بشيء يشبه احلام طالبان.ولكن في بعض لحظات التاريخ وبمجرد ان امتلكنا ثقة بأنفسنا، سارع حكامنا الى افساد الاحلام الوردية وقاموا بتوريط العراق في مشاكل ادت الى دمارنا. لقد قال الغرب نهاية السبعينات ان في وسع العراق ان يتحول الى دولة صناعية مثل اليونان، فدخل سلطان ذلك الزمان حربا مدمرة. وقال الغرب نهاية الثمانينات ان العراق يمتلك من حيث العدد والعدة رابع او عاشر جيش في العالم، فدخل السلطان نفسه حربا اكثر دمارا. وقبل اتخاذ تلك القرارات عجز سلطان تلك الايام عن النوم وراح يبدي اعجابه بحزمة كوابيس دمرتنا.ولا ادري كيف سيكون رد فعل سلاطين هذه الايام حين يلتقون كبار المسؤولين الدوليين، ويقول لهم هؤلاء ان في وسع ضغطة زر عراقية ان “تعرقل الاقتصاد الصيني والبريطاني”. اننا لم نعتد على هذا النوع من “التدليع”، والسياسي الذي كان يسخر منه العالم وسط الحرب الاهلية عام 2006، اصبح لديه اليوم مليون جندي و20 مليار دولار ميزانية دفاع، وهو قادر بضغطة زر قرب حقول الزبير ان يعرقل مصانع شانغهاي ويدوخ عائلة روكفلر التي تدير المال في وول ستريت. انه متغير رهيب على مستوى الاستعداد النفسي والخبرات الروحية. وبوسعي ان اتخيل عددا من ساسة العراق وهم عاجزون عن النوم اثناء اطلاعهم على تصريحات امثال خبيرنا الدولي هذا.ومن حقي ان اقلق حين يعجز بضعة اشخاص في المنطقة الخضراء عن النوم، ويفكرون فيما سيحصل خلال بضعة سنوات حين ننجح في تصدير 5 ملايين برميل. كما اقلق حين يتاح لهم النوم بضعة ساعات يحلمون خلالها بسلاح روسي. وأقلق حين يشاهدون مناورات يقوم بها جيشنا ببضعة دبابات امريكية في الرستمية، ويعودون الى المنطقة الخضراء لمناقشة بضعة تصريحات اطلقها معارضوهم. والسياسي حين يكون “محوريا بالنفط” و”مدججا بالسلاح والمليارات” و”متسرعا بالفطرة”، لن يفكر حين يكون ثريا بفقراء الحواسم الذين يغلي تحت ارجلهم البترول، بل سيفكر انه اقوى من خصومه وان عليه ان يكون “اشد حزما مع معارضيه” المحليين والاقليميين والدوليين، وان لا ينسى اثناء ذلك مساعدة الجيش الموريتاني.ولأن العالم يحتاجنا فإنه لا يستطيع نسياننا. ولأن العالم المتقدم “مخلينا براسه” فإما ان نكون اصدقاءه المقربين او خصومه الذين يستحقون التدمير، فالكبار لا يقبلون من العراق بحل وسط او حياد! وأتمنى على كبار مستشاري الطاقة ان يؤجلوا تصريحاتهم المذكورة بضعة اعوام اخرى انتظارا لنضج سلاطين ارض السواد، وهو دعاء تلهج به كل امهاتنا حرصا على الحرث والنسل.
عالم آخر: حين يعجز سلاطيننا عن النوم
نشر في: 3 أكتوبر, 2012: 08:47 م