احمد المهنا لندن مقسمة الى عدد من المقاطعات. داخل كل مقاطعة عدد من الأحياء. في كل مقاطعة يوجد متنزه كبير واحد على الأقل. وفي كل حي حديقة صغيرة بحجم حديقة الأمة المجاورة لساحة التحرير. وهناك مركز او سنتر لكل مقاطعة وآخر لكل حي. وهذه كلها غير المراكز الكبيرة في وسط لندن.
كل متنزه فيه حديقة حيوان صغيرة، متحف، العاب أطفال، ألعاب رياضة للكبار، تماثيل أو نصب، مصاطب، مقهى ومطعم او عدد منهما، شوارع للمشي والبايسكلات، ساحات. ويستطيع الفرد او العائلة اصطحاب الطعام، وبعض المتنزهات يخصص أماكن للشواء. هذا اضافة الى وجود الأشجار والورود والطيور ونهر صغير أو بحيرة. كما ينظم فيه مهرحان من نوع ما في السنة مرة على الأقل.السمة المشتركة بين كل هذه الأماكن هي انها ذات طبيعة جامعة لكل شرائح الشعب. الفقير، الغني، الطالب، العشاق، المقيم، السائح، العائلة، الطفل، اللاعب، الصاخب، الهادىء، الصعلوك، المنبسط، المنطوي، الأبيض، الملون، المحجبة، المصلخة. هناك مكان للجميع تحت الشجرة، على المصطبة أو الأرض. المكان موجود بهدف أن يكون للجميع. ولا أحد على الاطلاق لا تساوره رغبة في يوم في شهر في سنة للذهاب الى أحد هذه الأماكن الجامعة، على الأقل سنتر المدينة. هذا هو الهدف. فالسينما للمتفرج. السوق للمشتري. دار العبادة للمتعبد. الحانة للشارب. لكن المتنزهات والسنترات ليست لنوع دون آخر. ان زبونها هو الجمهور بكل أنواعه. ولربما تبالغ لندن في تكثير الأماكن الجامعة لما عرف عن الانكليز من ايثار او اضطرار للعزلة والحياة الداخلية بسبب المناخ الماطر المتقلب. فهذه الأماكن هي بمثابة نداءات لهم للخروج من المنازل. وهم يحسنون الاستجابة فعلا اذا اشرقت عليهم الشمس. ولكنهم ايضا لا يبقون من دونها اسرى البيوت طيلة الوقت. والمكان الجامع ليس احتكارا انكليزيا، فمراكز العواصم في كل أوروبا تملك مثل هذه السمة الجامعة للجمهور. وربما كانت الحكمة منها هي تلبية حاجة الشعب ليشاهد بعضه بعضا، يتعارف بالنظر، يكتفي بذلك أو يزيد. ربما ليشعر الفقير بأن له مكانا بين الناس، والعليل بأنه صحيح. لعلها ممارسة المساواة. قد تكون احدى وسائل الصهر الوطني. ربما كانت ترجمة لمعنى حشري مع الناس عيد. وقد لا يكون هناك شيء من ذلك كله. ولكن المؤكد ان هذا المهرجان الدائم من التنوع والاختلاف والتعدد في البشر والحيوان والنبات والأشياء والفنون يلبي حاجة الانسان الى تحريك المشاعر وتنشيط العواطف. كما ان هذه الأماكن، وبالخصوص منها مراكز المدن، أصبحت احدى قبلات السياحة. فعادة ما تكون جميلة. والجمال وجهة السياحة. ولعل هذه المعاني أو بعضها يلفت اهتمامنا يوما الى ضرورة ايجاد طريقة لتكوين مثل هذه الأمكنة الجامعة، من خلال تطوير ساحة التحرير مثلا، ونظائرها في المحافظات الأخرى. كذلك تكثير المتنزهات والحدائق. ونحن أحوج اليها من غيرنا، خاصة بعدما ضربتنا أيدي الفتن والألم، وجعلت الفرقة والمعاناة منهجنا بدل الوحدة والسعادة. والى ان نهتدي الى سبيل الجماعة الأوروبية ونسير فيه، علينا النظر بعين الحسود الى مدنها، فقد ثبت ان هذه العين احد دوافع الترقي رغم مساوئها الكثيرة. وطالما ان الحسد يقع ضمن نطاق امكانياتنا فلا داعي لليأس بتاتا.
أحاديث شفوية: لا داعي لليأس بتاتا
نشر في: 3 أكتوبر, 2012: 09:46 م