حسين العسلاويثمة حلقة مفقودة في نسيج المجتمع العراقي لم تتبلور بعد ، نتيجة السحق المتعمد والتذويب الدائم لحالة التأصيل والانسجام المجتمعي ، وهي حلقة الطبقة الوسطى ، أو ما نصطلح عليها بحلقة (التكامل التنظيمي) والمتمثلة بوجود طبقة اجتماعية تكون بمثابة المجتمع المدني ، ومعها طبعا المنظمات الإنسانية ووسائل الإعلام المنتقدة ، فضلا عن المكونات والتشكيلات الأخرى التي تتوسط المسافة بين هرم السلطة (الحكومات بجميع أشكالها ) ونهاية القاع أو عامة الشعب كما متعارف عليه ، هذه الحلقة تضطلع بدور التوازن المتقابل بهدف عبور مرحلة أزمة التفاهم والإلغاء التي تنشأ عادة بين الطبقة الجماهيرية،
وبين وجه السلطة الساعية إلى تحقيق مكاسبها ، وبالتأكيد فان المسألة لا تقتصر على بلدان وشعوب العالم الثالث، إنما تمتد إلى دول متطورة، ولكن باختلاف النسبة أولا وقوة المجتمع المدني ثانيا ، وحتى نعبر مرحلة التأزم والمراوحة في فلك السلطة والخضوع القسري لمآربها ، تفرض الأجواء الراهنة جملة من الحلول تنطلق جلها من تنمية وتأسيس وغرس وعي ناجح يعتمد على المفاهيم المرنة غير القابلة للتأويل والتعبئة المقصودة ، كما انه أي (الوعي) الناضج يسهم في تحصين الفئة المحكومة ويقودها تاليا إلى إفراز قوه لا يمكن نسفها أو تخطيها تحت أي عذر أو مسمى، لأنها هويته وكينونته يجب الإحساس بها وتقديسها فهي تمنع حدوث تجاوز السلطة والتعدي على أفراد المجتمع ، وذلك عينه ما أعطى المجتمعات الغربية حصانة وثبات استعصت على مختلف طرق وأساليب السلطة الملتوية. وهنا يأتي موقع السؤال الذي صار يشكل هاجسا لدى النخبة المشتغلة في حراك المجتمع لاسيما في مرحلة السيولة التي يمر بها العراق ولم تتصلب على مرفأ معين ، هذا السؤال مفاده أي وعي يجب أن نعمل على تعزيزه وإنباته في عقول الشباب والنشء خاصة مع تقاطع الإرادات واختلاف الأيدلوجيات التي تمثل هويات فرعية مختلفة وغياب مرجعية موحدة لهوية وطنية مشتركة. أقول الوعي المطلوب نحته على صفائح عقول الشباب ، ليس وعيا دينيا صرفا ولا قبليا موروثا بالتأكيد، ولا نهجا متطرفا منحازا، بل هو وعي سلطة المعرفة العليا التي تشبع العقول بالفكر والثقافة ومنها يستطيع الفرد أن يوجه بوصلته الذاتية سواء أكان شرقيا أم غربيا .فالمعرفة هي كفيلة بتحديد رغبة الإنسان وإخراجه من محنة الضياع، فضلا عن أنها تمنح الجماعات رؤية ثاقبة تحمل بعدا إنسانيا مشتركا مع الفئات الأخرى وبهذا يتخلص أي مجتمع من الأزمة أو ما يسمى بضياع الهوية وغياب المشتركات .وسلطة المعرفة العليا نتاج حراك رصين ومتقد ومتفهم لحالات عديدة تقطع الشك وتخنق مسوغات الإرباك في المخيلة العراقية، يضاف إلى ذلك أنها تسهم في فتح ميدان مترع بالنقاش والحوار البنّاء القائم على أسس معرفية وعلمية بعيدة عن التشنج والتعقيد. وبحصولنا على وعي قيّم وأصيل عبر ممارسة مختلف الوسائل مثل الجامعة والمدرسة ودور العبادة الواعية وغيرها من المؤسسات الفاعلة تكتمل مرحلة التأسيس الناضجة، وبمجرد الوصول إلى هكذا وعي فان السلطة ستتضايق وتُحاصَر في دهاليزها وتموت في عروقها المشاريع الاستيطانية الرامية إلى تحقيق السرقات والاستحواذ مثل الذي نشاهده في سلطة العراق النفعية، ولا شك فان السلطة إذا شعرت بامتداد واتساع الوعي تتوقف عن دوافعها ليس مراعاة للناس إنما خوفا من الحلقة الواعية التي أخذت شكل الزاوية في مثلث الارتقاء الاجتماعي.
تعزيز الوعي ضرورة لمواجهة انحراف السلطة
نشر في: 5 أكتوبر, 2012: 07:04 م