يوسف أبو الفوزحين تولى القيصر بطرس الاكبر (1682 ـ 1725م) حكم الامبراطورية الروسية سارع لبناء مدينة "سان بطرسبورغ" عام 1703 على الساحل الشرقي للخليج الفنلندي في بحر البلطيق عند مصب نهر النيفا ، من أجل ضمان الممر المائي من روسيا الى اوروبا الغربية، وارادها لتكون نافذه روسيا الى اوربا ، وندا لمدينة هلسنكي التي كانت أيامها تحت الاحتلال السويدي، وكان بناها الملك السويدي غوستاف فاسا الاول (1496 ـ 1560 م) ، عام 1550م ،
على الجانب الغربي من بحر البلطيق . ويروى لنا التاريخ الكثير عن الصراعات والحروب التي شهدتها المنطقة والمدينتان حتى قابل جوزيف ستالين ( 1878 - 1953) مفاوضه الفنلندي بعد بعد نهاية الحرب العالمية الثانية ، خلال مفاوضات السلام بين الاتحاد السوفياتي المنتصر، وفنلندا التي تحالفت حكومتها اليمينية مع حكومة هتلر الفاشية المندحرة، وكان ان خسرت فنلندا 12 % من اراضيها من ضمن التعويضات التي انتزعها ستالين ، كحزام واق لضمان أمن مدينة لينينغراد (سان بطرسبورغ) ، هذه الاراضي التي اصبحت جزءا من الاراضي الروسية حتى الان ، يومها قال ستالين لمحاوره الفنلندي : " قد يكون لكم رأي اخر لكني لست مسؤولا عن الجغرافيا ". ولم يكن ستالين مخطئا فالجغرافيا ترسم دائما واقعا لا سبيل للهروب منه في العلاقات بين الدول . فنلندا لها حدود مع الاتحاد السوفياتي ووريثته روسيا تمتد لاكثر من 1300 كم عبر غابات وبحيرات متشابكة ، شهدت الكثير مما تحفظه كتب التأريخ من احداث تركت بصماتها على العلاقات بين الشعوب المتجاورة . من بعد نهاية الحرب الباردة ، واذ استقرت العلاقات بين البلدين ، روسيا وفنلندا ، ضمن معاهدات دولية ، فأن الحدود ظلت سببا لاثارة الكثير من المشاكل لحكومات البلدين ، في مقدمتها مشاكل التهريب ، الذي كان يشمل مختلف انواع البضائع الاقتصادية والبشر والمخدرات والسلاح ، وكل ما يخطر على البال في ظل الاختلاف في القوانين ومستوى المعيشة بين البلدين ، خصوصا بعد تفكك الاتحاد السوفياتي والازمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي عصفت بمجمل بلدانه، فصارت الحدود الفنلندية معبرا اساسيا للهجرة باتجاه اوربا ، مما دعى فنلندا لنشر المزيد من الالغام الارضية ومجموعات من الشرطة السيارة معززة بكلاب الحراسة ، واللجوء للاستعانة بخبرات الدول الاوربية لمساعدتها في ضبط حدودها التي صار عبرها يتسلل الى اوربا كل ما هو ممنوع ومطلوب في اسواقها، بحيث صار التهريب حرفة لها رجالها وعصاباتها المستعدة لركب روح المخاطرة لاجدل تحقيق المزيد من الارباح ، وسببا للفساد الاداري في اجهزة الدول المعنية بالحدود في كل هذه البلدان المتجاورة ولم تنفع معها مختلف الاجراءات لمعالجتها والتي كانت تعقد لاجل بحثها الكثير من اللقاءات والمؤتمرات. هذا كله كان احد الاسباب الرئيسية التي تشبثت بها فنلندا لرفض التوقيع على معاهدة اوتاوا ، التي تسمى ايضا (اتفاقية حظر الألغام المضادة للأفراد) حيث تحظر استعمال وتخزين وإنتاج وتطوير ونقل الألغام المضادة للأفراد ، وتقضي بتدمير هذه الألغام ، سواء أكانت مخزنة أم مزروعة في الأرض، وتم اعتمد المعاهدة عام 1997 ، وقد حصلت الحملة الدولية لحظر الألغام المضادة للأفراد ومنسقتها الاكاديمية الامريكية "جودي ويليامز " (مواليد 1950)على جائزة نوبل للسلام عام 1997 لجهودها في شن حملة من أجل حظر الألغام المضادة للأفراد . أقرت الاتفاقية في أوسلو في 18 سبتمبر/أيلول 1997، وفتح الباب للتوقيع عليها في مدينة أوتاوا الكندية في خلال يومي 3 و 4 ديسمبر/كانون الأول 1997 ، ثم دخلت الاتفاقية حيز التنفيذ في أول مارس/آذار 1999 بعد وصول عدد الدول المصدقة عليها إلى أربعين دولة . وجاءت الاتفاقية استنادا الى القانون الدولي الانساني الذي يهدف الى تخفيف معاناة المدنيين وحمايتهم في اوقات الحروب ، واضافة الى الزام الدول الموقعة بتدمير مخزونها من الالغام الارضية فهي تلزمهم ايضا ببرامج عمل شاملا لمواجهة الآثار الإنسانية للألغام المضادة للأفراد حيث اعتبرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن الألغام المضادة للأفراد قد خلفت ،من الناحية الطبية،"وباءً " يتميز بانتشار خطير للإصابات والوفيات والمعاناة الشديدة نتيجة التشوهات. ومن تاريخ اعتماد الاتفاقية تعرضت فنلندا لانتقادات شديدة من المجتمع الدولي لتأخر توقيعها على اتفاقية اوتاوا ، اذ كانت الحكومات الفنلندية دائما تشهر وكحجة تقارير الدول الاوربية ذاتها عن النتائج المترتبة على نجاحات المهربين عبر الحدود الفنلندية الروسية ، على صعيد تجارة الرقيق وانتشار المخدرات والاسلحة الخفيفة وموجات الهجرة الاسيوية والتي تتم عبر هذه الحدود . واخيرا قررت فنلندا تدمير مخزونها من الألغام الأرضية في موقع في منطقة لابلاند ووذلك وفقا لمعاهدة أوتاوا، بعد امتناعها لفترة عن ذلك ، وتم استبدال الألغام الأرضية بطرق تكنولوجية متطورة لتأمين حماية ومراقبة الحدود . وبهذا تكون فنلندا اخر بلدان الاتحاد الاوربي (27 دولة) التي توقع على المعاهدة وتشرع في تنفيذ بنودها ، وقد جاء هذا القرار من بعد ضغوطات شنتها منظمات المجتمع المدني الفنلندية ، وفي مقدمتها "منظمة السلام الفنلندية " التي لعموم قوى اليسار الفنلندي نفوذ بارز فيها، حيث
لماذا تأخرت فنلندا طويلاً في التوقيع على معاهدة أوتاوا؟!
نشر في: 5 أكتوبر, 2012: 07:07 م