د. جاسم محمد الحافظقبل الخوض في التفاصيل لا بد من تأكيد حقيقة - قبلها الناس على مضضٍ - ، مفادها أن جُلَ أعضاء برلمان "الزحف" هذا لا يمثلون الشعب، كونهم لم يحظوا بثقته ولا بنيل شرف تمثيل أبنائه ، مثلما تشهد عملية تشكيل برلمانات العالم المتحضر كله، بدءاً من الولايات المتحدة الأمريكية وانتهاءً بالمملكة المتحدة البريطانية،
rnراعيي طقوس وسياسات انتشار ديمقراطيات العولمة وما ينتج عنها من تزييف لإرادة الشعوب التواقة للحرية والديمقراطية الحقيقية ، كما أن البرلمان كله مطعونٌ بشرعيته بعد أن كَسب السيدان مفيد الجزائري ومثال الآلوسي الدعوى القضائية ببطلان دستورية أهم آلية لاختيار أعضاء البرلمان وهي "قانون الانتخابات" الذي على أساسه تم عقدَ قران السيدات والسادة البرلمانيين في عرس يشابه في حبكته أعراس المجلس الوطني للنظام الدكتاتوري المقبور، خاصةً وأن بعض نشطائه يصولون اليوم ويجولون - وسيماهم في وجوههم - في أروقته الجديدة وغرفه الخلفية التي يُعِدونَ لنا فيها "الزقومَ"، وبعد أن يختلفوا على مقادير وفعالية نسب عناصره التدميرية يخرجون على ناخبيهم. في مشهد أقل ما يرعب الناس فيه الكواتم، فيلوذ الناس بالمتنبي وعوالمه المكتنزة بالمعرفة والحب والشمس المتعامدة على أفق أمهات الكتب المرصوصة على جانبي شارعه المهيب، المزدان بلغات العالم وحكاياتهم الحلوة التي لا تختلف عن حكاياتنا ولا تشبهها كما يروي لنا آخر فصولها، رجلٌ يتكئُ على سنوات تاريخ نضال حزب صار للكادحين خبزاً، ممشوق هو بقامته واضح الرؤى، رصين الكلام ومخارج الحروف عنده واضحة، كامنيات الصبايا وحلاوة ما يخرجن من عذب الكلام عند أمسيات السَمرِ، وعلى وقع أقدام النساء والرجال المسحورين بالكتب ينشد "لا تسرقوا أصواتنا حتى لا تبددوا ما تبقى لنا من الحلم" لا تضيقوا الحريات وتعبثوا في مناطق المعرفة وتخدعون أنفسكم، فخداع النفس أقصر الطرق إلى حيث لا نتمناه مستقراً لعراقي أغلق الجهل عليه كوة الضوء ومسالك الأمل.rnالبؤس يا سادة ينتشر والفقر والجوع يطرقان أبواب الملايين ممن هم تحت خطه، لأن عجلة الإنتاج الزراعي والصناعي معطلة بفعل فاعل، والفساد مستشر والأمن متدهور بفعل فاعل، وتجهيل الناس وتسفيه عقولهم وتغييب وعيهم بفعل فاعل، فلا تصدقوا أنفسكم ورجع صدى ما تعتقدون خطأً بأننا بخير مثل ما أنتم فيه، إننا لسنا كذلك وإن خبرتنا الحياتية ودهاليز الحرمان المعتمة التي مكثنا فيها طويلاً – وكثر من بينكم كانوا معنا أيضاً - في المدن والأحياء الفقيرة في الثورة والشعلة وأبي سيفين والبتاوين والدواسة وأم البروم وسواها ، تجعلنا نتحسس دوماً أوجاع حوافر خيول الهمج المخادعين الذين مروا فوق أحلامنا منذ انقلاب شباط الأسود عام 1963، بعد أن أردت الخيل فرسانَ ثورة 14 تموز الوطنية وقاسم الذي "خلا مكانه فلم يكُ وقافاً ولا باسط اليدي" وراحوا مُشَيَعين بالحب والتقدير الكبيرين، وهم الذين عززوا بتضحياتهم ونزاهتهم وعينا المادي وحسنا الفطري وشحذوا يقظتنا بإمكانية استمرار نهج الخديعة المفضي الى عوالم البؤس والحرمان ، لأهمية موقع بلادنا الجيوسياسي وغناهُ بالموارد الطبيعية ، أن لم نقض مضاجعهم بوحدتنا وتآخينا ورفضنا القاطع للطائفية والمحاصصة، ونعض على جراحنا حتى لا يستهويهم مشهد إراقة دماء الأبرياء من أحبائنا، أنا مدركون بأن وطننا ليس ككل الأوطان، مخاضات ولاداته رهط من أروحٍ مقدسة تركت لنا وجعاً وصبراً جميلاً روته الأجيال لبعضها، وسأخبر به أولادي الذين حالت الفاشية بينهم وبين العراق، الذي لا يعرفون عنه أكثر من ان لهم أباً من هناك ظل ينزف أحلامه في شوارع العواصم البعيدة عن الوطن والباردة برودة ضمائر قاتلي سمير مهدي شلال وعبد الوهاب عبد الرزاق وهادي المهدي وكامل شياع وقاسم عبد الأمير عجام، كرهط من الأرواح المقدسة المحلقة بين بابل وبغداد وذرى جبال كردستان الشاهقة ، أرواحٌ خَبَرت الغدر وألهمتنا اليقظة، ولذا فإن اتفاق قادة جميع كتل المحاصصة الطائفية والإثنية النافذين في الحكم على الإبقاء على قانون الانتخابات السيئ الصيت ، الذي كرس ما نحن فيه من بؤس وتردٍ في إدارة شؤون البلاد، لم يشوش على إدراكنا لحقيقة أن وحدة مصالحهم وأهدافهم المشتركة، هي نفسها التي عبروا عنها متحدين في مواجهة المتظاهرين في 25 شباط 2010 بالقوة والأسلاك الشائكة. يوم خرج فتية يحبون أن يعيشوا مثل أقرانهم من شبيبة العالم، ويقيني أن هذا اليوم آت لا محال.rn
لا تسرقوا أصواتنا !
نشر في: 6 أكتوبر, 2012: 07:20 م