هاشم العقابيأول مشكلة واجهت صدام بعد طرده من الكويت، هي كيف يجعل الناس تصدق انه خرج منها منتصرا. كان يعرف جيدا انه إن أراد أن يصدقوه فعليه تعطيل عقولهم أولا، كي يحدثهم بما لا يليق.
ومن اجل امتهان عقول الناس حاول صدام استقطاب البسطاء، بارتدائه عباءة الدين مبتدئا بخط "الله أكبر" بين نجمات العلم العراقي. وحين صاح صائح في رأسه: وكيف "بطركاعة" السكارى الذين لا تعبر عليهم هذه "الفيكات"؟ أمر بالغاء النوادي الاجتماعية واغلاق البارات ومطالبة الرفاق بالصلاة وحث عضوات اتحاد النساء على ارتداء الحجاب. اصدر بعدها قرارا ببناء جامع يحمل اسمه وتكون منارته الأعلى في العالم. وحين اطمأن بان الأمريكان قرروا الاكتفاء بطرده من الكويت وليس من قصره، رفع راية حملته الإيمانية مرفقة بقرارات من مجلس قيادة الثورة المنحل. كانت تلك هي الخطوة العملية الأولى بتاريخ العراق الحديث على طريق تحويله من دولة مدنية الى دينية.صديق أخو ثقة روى لي انه التقى بالمالكي في مكتب إحدى الفضائيات بعد سقوط النظام السابق، يوم لم يكن الرجل معروفا لدى العراقيين كما هو الآن. كان المالكي قد حضر للمشاركة في برنامج حواري حول الأحداث الساخنة بوقتها. يقول صديقي انه قال للمالكي: ادعوا، انتم الإسلاميون، لصدام فقد مهد لكم الطريق للحكم بإطلاقه حملته الإيمانية في منتصف التسعينيات. وهذه، حتى وان بدت للبعض مرة أو مزعجة، لكنها حقيقة لا يمكن نكرانها. فصدام هو أول رئيس عراقي أقحم الدين بالدولة العراقية الحديثة وشرع لذلك قوانين ونفذها. وقوانينه "الإيمانية" تلك ما زالت سارية المفعول ويجرى تطبيقها اليوم بطريقة أشد حزما مما كانت عليه في ايام حكمه المقبور.هذا هو ديدن الطغاة واخص منهم "القومجيين" العرب بالذات. فهم حين تتم لهم السيطرة على مفاصل الدولة ورقاب الشعب، يضربون الدين بشدة. لكنهم يوم يضعفون يرتدون عباءة الدين لأنهم يرون فيه طوقا سهلا للنجاة. الأمثلة في ذلك كثيرة اذكر منها اثنين:الاول، عندما سعى جمال عبد الناصر للانقلاب ضد الملك فاروق لم يكن قويا فقرب الإسلاميين ليتقوى بهم حتى يقال انه انتمى لجماعة الإخوان المسلمين. لكنه بعد ان قبض على السلطة واشتد ساعده أعدم سيد قطب بدم بارد. والثاني صدام حسين، الذي بعد ان اتسع نفوذه واغتصب كرسي الرئاسة من البكر بالسيف، الذي حز به رؤوس رفاقه المقربين أيضا، حارب الدين ورجاله بكل ما أوتي من سلاح وقدرة على البطش. لم يتردد في اعدام آية الله السيد محمد باقر الصدر وعلماء دين كثر من المذهبين. كل تلك الحرب انقلبت الى ضدها بعد ان انتفض عليه الشعب وكاد يسقط لولا ان بوش الأب انقذه، فصاح: انا عبد الله المؤمن. وان كانت تقلبات السلاطين بين معاداة الدين في يوم ومحاباته في آخر، قد دفّعت الشعوب العربية سيلا من الدماء وأكوام من الخراب المبين في العقول، الا ان دور وعاظ السلاطين، كان اشد مضاضة. لقد انتبه العالم الاجتماعي والمفكر علي الوردي لهؤلاء الوعاظ وحاربهم فحاربوه بشراسة، مثلما حدث للمفكر الشيخ علي عبد الرازق يوم حاربهم بمصر. المحزن ان قل فينا من هو مثل الوردي وكثر بيننا اليوم وعاظ "علاّسة" أشد بغضا للعقل من أسلافهم. لا يعلسون الاحياء من المثففين والمفكرين بل والأموات ايضا، ومن بينهم علي الوردي. لماذا وكيف؟ انتظروا فلعلي آتيكم بجواب.
سلاما ياعراق : عن الطغيانِ والدينِ ووعّاظِ السلاطينِ
نشر في: 7 أكتوبر, 2012: 08:04 م