نعم. استغربت واندهشت لما رأيته في العمارة مركز محافظة ميسان، ولا أظن أن هناك من يلومني إذا ما أبديت استغرابي من مشاهدة تلك اللوحة الجميلة، التي عادت بي لأيام زمننا الجميل، خاصة وأني جئت من عاصمتي التي يملأها الخراب والإهمال المقصود بعد انشغال قادة ال

نعم. استغربت واندهشت لما رأيته في العمارة مركز محافظة ميسان، ولا أظن أن هناك من يلومني إذا ما أبديت استغرابي من مشاهدة تلك اللوحة الجميلة، التي عادت بي لأيام زمننا الجميل، خاصة وأني جئت من عاصمتي التي يملأها الخراب والإهمال المقصود بعد انشغال قادة البلد بمكاسبهم وسيناريوهات أزماتهم السياسية التي تزداد مع اقتراب موعد الانتخابات، غير مبالين بوطن ومواطن.

نعم. تفاجأتُ في يوم ميساني وجدت فيه العمارة تصيح باجمعها، مسؤولين، طلبة، نساء، رجالا، شيوخا، أطفالا، مدنيين عسكريين، سنة وشيعة، مسيحيين وصابئة، عربا وكردا وهم يحملون  مكانس التنظيف متوجهين بها بنخوتهم الى كل ما يشوه شوارعهم ومناطقهم من قاذورات، منشدين بصوت واحد "ميسان منزلي"، جميعهم، بدءاً من محافظهم الى رئيس مجلس المحافظة الى أعضاء المجلس الى قادة الجيش والشرطة والمرور، والأساتذة والطلبة حملوا مكانس التنظيف وليس بنادق الموت او كواتم الصوت!

كيف كانت الفكرة؟ وما الرسالة؟ حملت مكنستي وشاركتهم الفرح ووجدت الردود على السنة أهل المدينة.

على الحكومة أن ترعى أفكار شبابنا

يسرى محسن ضمد، عضو مجلس المحافظة ومسؤولة لجنة حقوق الإنسان، وهي تقوم بحمل كيس القمامة الأسود لتضع فيه ما يسيء لشارع دجلة الذي فاز أخيراً بأجمل شارع في العراق قالت للمدى"إن حملة بهذا الشكل الرائع هو خير دليل لانتماء شبابنا لهذا الوطن الغالي، وشعورهم بالمسؤولية تجاه مدينتهم، وعلينا نحن كحكومات محلية وكحكومة اتحادية أن ترعى أفكار شبابها، وتحافظ وتدعم على ما يطمحون له، فلا تقوم الأوطان ولا تبنى إلا بعقول شبابها، أتمناها أن تكون رسالة لجميع الكتل السياسية وخاصة الكبيرة منها رسالة من شباب غير طامعين بمنصب أو مكسب هبّوا متحدين لتنظيف مدينتهم بروح وطنية وثابة، وهي فكرتهم ونحن خرجنا معهم تلبية لدعوتهم التي وجهوها من خلال الفيس بوك، والمفرِح جدا أن لبّى الدعوة شباب من محافظتي البصرة وذي قار، وتمنت عضو مجلس المحافظة أن يتعمم هذه الأمر على الاقضية والنواحي، ليس من اجل التنظيف فقط وإنما لغرض زيادة الثقافة البيئية عند المواطن، حتى يكون الحريص على نظافة محلته وشارعه كما تعتقد ضمد.

كرنفال فرح ميساني

نصير جاسم الخفي نائب رئيس مجلس السلم والتضامن في المحافظة أكد للمدى أن هذه الحملة التطوعية بادر بها شباب ومنظمات مجتمع وطني بالإضافة الى دعم ومساندة من قبل جميع دوائر ومؤسسات الحكومة المحلية، مضيفا بأننا اليوم نعيش وسط كرنفال فرح ميساني خالص، ليشعر جميع المواطنين بأنهم مسؤولون مسؤولية مباشرة عن الحفاظ على نظافة مدينته وإظهارها بالشكل اللائق، وبيّن الخفي أن البعض لا يبالي بهذه المسألة، معللا ذلك بتراكمات اللاوعي البيئي، وغياب الإرشاد الصحي والثقافة التي من شأنها إيصال المواطن إلى النضج الذي يجعله يتعامل مع نظافة المدينة، بذات التعامل والسلوك الذي يمارسه عند وجوده في بلد آخر، فما تطبق عليه من قوانين في ذلك البلد يجب أن يطبقها على نفسه وعائلته، ليكون أنموذجا يحتذى به، وتمنى الخفي أن يدعم الجميع هذه المبادرة القيمة وغيرها من المبادرات المنتجة، واصفا هذه التظاهرة بأنها ضرورية لزيادة الوعي الحضاري اللائق عند المواطن الميساني بحسب قوله.

الأولى بالاستثمار بين المدن

مسؤولة الإحصاء في مستشفى الصدر كريمة عبد الحسين بيّنت للمدى أنها ولدت في هذه المحافظة وتربت بها وستكافح من اجل عودتها إلى رقيها السابق مهما كانت التضحيات، مضيفة بأن ما تقوم به اليوم هو شيء بسيط، ولم تخفِ عبد الحسين فرحتها بهذه التظاهرة، ولا فرحتها بكون ميسان ستكون المحافظة الأولى بالاستثمار على مستوى محافظات العراق، وطالبت عبد الحسين جميع أبناء المحافظة بالمشاركة بمثل هذه الحملات الضرورية لجعل ميسان مدينة يتباهى بها الجميع، وشكرت عبد الحسين الشباب الذين قاموا بهذه الحملة على صفحتهم (حبيتي ميسان) وصفحة (تجمع أهل العمارة) على فيسبوك، وشكرت جميع المسؤولين وكذلك الدوائر الخدمية والمهنية والمساهمين من الشباب القادمين من محافظتي البصرة وذي قار..

الوطن فوق أي انتماء

الإعلامي عدي المختار قال للمدى: إنهم مجموعة من الشباب جمعهم عالم فيسبوك، وجسدوا ذلك التجمع بهذه الحملة الرائعة من اجل نظافة ميسان، وتستمر الحملة كما يقول المختار لمدة يومين حيث خصص يومٌ لشارع دجلة وما يحيط به من محلات، وسيكون اليوم الذي بعده في محلة الماجدية، موضحا ان الشباب أرادوا استغلال العطل حتى لا تؤثر الحملة في الدوام الرسمي للطلبة والدوائر الحكومية، موضحا بان الشباب الذين قاموا بالحملة جمعتهم انتماءاتهم الوطنية بعيدا عن الانتماءات الدينية والحزبية رافعين شعار العراق فوق الجميع، معلنين من خلال حملتهم هذه بان ميسان منزلنا الكبير، حينها - والكلام للمختار - سننعش روح المواطنة والحرص عند أبناء المدينة، وهي خطاب راقٍ يقول للجميع إن ميسان ليست ملكا لفئة معينة بل هي ملك للجميع، فأزيلوا عن مدينتكم كل ما يشوه جمالها وألقها، والجميل أن كوكبة من شباب محافظتي البصرة وذي قار التحقت بالحملة.

شباب من البصرة وذي قار

وهو يحمل كيس القمامة بكف غيرته قال لنا اسمي زياد طارق  من محافظة البصرة عضو مساهم في حملة "لنجعل بصرتنا نظيفة"  التي انطلقت في 15 نيسان 2011، وساهمت تلك الصفحة في حملة (لنجعل ذي قار نظيفة) وهي تساهم الآن في حملة (ميسان منزلي) تعزيزا لروح الإخوة والمواطنة في جميع محافظات العراق، ونحن نطمح بأن تعمم الحملة في العاصمة الحبيبة بغداد وبقية المحافظات، لان طموحنا كما يقول طارق هو عراق جميل موحد بشبابه وجميع مكوناته، متمنيا على المسؤولين إعطاء الشباب دورهم الحقيقي في بناء وطنهم.

الطالب حسن جمعة من محافظة ذي قار قال: جئنا وبكل شرف لنساهم في إنجاح هذه الحملة، ونشارك إخوتنا في ميسان بهذا العمل ليكون نواة انطلاق لمشروع وطني يشمل العاصمة وبقية المحافظات، والشيء الجميل أن يتواجد محافظ ميسان والمسؤولون مع أبناء المحافظة، ليكونوا حافزا للشباب ويرسموا صورة جميلة لروح العمل الجماعي نتمنى ان تبادر جميع الحكومات المحلية بذلك.

احد الشباب الذي كان يقف على الرصيف  وتبين لي بعد ذلك انه من قضاء المجر الكبير وليس له علم بالحملة، طلب مني المكنسة التي احملها ليشارك بالتنظيف، وبالفعل أعطيته ما يريد، وكم تمنيت ان يقوم شباب بغداد لحظتها بمثل هذه الحملة، لكني تذكرت حالتها، وقلت من أي خراب نبدأ؟ وفي أية مستنقعات نعمل؟ ومع أي نقاط تفتيش وأي زحمة نتعامل؟ والاهم من كل ذلك أي مسؤول يسمع بعد أن رفعوا كمامات صدام من أفواهنا وسدوا بها آذانهم؟

الحملة لتنظيف العقول

احمد تيمون، صاحب صفحة تجمع أهالي العمارة، وصفحة أخرى على "فيسبوك" يقول بالاتفاق مع كروب (حبيبتي ميسان) قمنا بالسعي لتحقيق حملة ميسان منزلي، والهدف  الأول منها كما يقول احمد هو تنظيف العقول التي لا تبالي برمي الأوساخ في غير أمكنتها المعروفة، وبدأنا بنشر هذا الوعي عند طلبة الجامعات الذين سيعكسونه بالتأكيد على مواطني مناطقهم، وحين ننجح في ذلك بالتأكيد سنكسب ثمار ما سعينا من اجله، وبين احمد أن شباباً من أقضية علي الغربي  وعلي الشرقي والمشرح ساهموا معنا، مبينا أن الشباب هم من زرعوا بذرة هذا الجهد ليحصد ثماره الجميع.

عقيد المرور، غازي احمد حسن، مدير قسم مرور  محافظة ميسان وجدناه وهو يقوم بتنظيف الشارع حاملا مكناسته غبر آبه لرتبته بقدر اهتمامه بنظافة مدينته صرح قائلا: أهلاً بالمدى في مدينة العمارة، وأهلا بمثل هذه المبادرات الرائعة التي تدل على وعي شبابنا وحرصهم ووطنيتهم، والمفرح بهذا المشروع هو مشاركة حكومتنا المحلية وعلى رأسهم السيد رئيس مجلس المحافظة والسيد المحافظ، ليكونا حافزا معنويا كبيرا لشبابنا، لاتخاذ مبادرات جميلة وغير مألوفة لمدينتنا التي تستحق منا الكثير كما يقول حسن، مضيفا بان هذه الحملة هي رسالة لجميع المواطنين بان النظافة دليل رقي الشعوب في جميع المجتمعات والأزمان، وأكد عليها رسولنا العظيم (ص ) بالحديث النبوي الشريف "النظافة من الإيمان".

المحافظ مع الشباب بمكنسته

وأضاف حسن أن جميع أفراد مديرية مرور محافظة ميسان شاركوا بهذه الحملة، معتبرين نظافة شوارعنا من صلب عملنا ولن نتوانى عن المشاركة في أية حملة من شأنها النهوض بواقع المدينة نحو الأفضل، وإيصال المواطن إلى نضج صحي عند المواطن يدرك من خلاله بان إلقاءه القمامة والفضلات في غير أماكنها مضر به وبجمال المدينة، وهذا الوعي لا يتأتى إلا من خلال دورات وحملات توعية، متمنيا أن تعمم هذه الظاهرة  في جميع أقضية ونواحي المحافظة وجميع مدن العراق.

محافظ ميسان السيد علي دواي لازم بعد أن التقته المدى في مكتبه بحوار موسع بعد عودته من المشاركة في الحملة سينشر لاحقا أكد أن المحافظة ستدعم الشباب بسعيهم وحرصهم على بناء مدينتهم، وستشاركهم حملاتهم الساعية للارتقاء بواقع مدينتهم، مؤكدا ان التجربة ستعمم على بقية الاقضية والنواحي ليشعر الجميع بمسؤولية بناء الوطن بحسب قوله.

كيف نقارن بين هؤلاء وبين مسؤولي بغداد بعد أن أغرقت أبنيتها وشوارعها أمطار جادت السماء بها علينا، ظنا منها بأننا سنفرح وليس نصرخ بعويل الثكالى على ضحايانا من الأرواح والأبنية والشوارع والبيوت والعجلات، دون أن نسمع أية ردة فعل من مسؤول أو وخزة ضمير تنقذنا من الإحباط الذي نعيشه.

ولا أخفيكم فرحتي وأنا أشاهد محافظ ميسان السيد علي دواي لازم وهو يحمل مكنسته بين أبناء مدينته، في شارع دجلة مرتديا بدلة عمله الزرقاء وفانيلة الحملة التي كتب عليها "ميسان منزلي" وحين رأيته ينحني لتنظيف الشارع صرخت أنفاسي بكل تباهٍ بصدر بيت المتنبي القائل "ملأى السنابل تنحني بتواضع "ولكني لم أكمل عجز البيت إلا بعد أن اتجهت ملتفتا صوب بغداد، صارخا بمحافظها ورئيس مجلسها وأمينها "والفارغات رؤوسهن شوامخ".

والى حكاية أخرى من حكايات (هذا وطني)