بعد جولاته المكوكية، من دمشق إلى موسكو والقاهرة، لم ينجح المبعوث الأممي، الأخضر الإبراهيمي، في إنارة ولو شمعة أمل واحدة، لحل الأزمة السورية، فلا النظام مستعد للتضحية بالأسد، ولا المعارضة ترضى بالتفاوض معه، أو حتى المشاركة بحكومة مؤقتة قبل رحيله، ومع ذلك، يصر الإبراهيمي على بذل المزيد من الجهد المجاني، على أمل الابتعاد عن ما يسميه الجحيم، الذي بشرنا بأنه قادم إلى سوريا والمنطقة، ما لم تخضع المعارضة لشروط السلطة المدعومة من موسكو، التي رأت أن رفض المعارضة الجلوس على طاولة الحوار مع النظام القائم، يعني طريقاً مسدوداً، لن يؤدي إلا إلى تفاقم الوضع، ومع ذلك، تطابقت وجهة نظر الإبراهيمي مع وزير الخارجية الروسي، بأن الفرصة لا تزال قائمةً، للتوصل إلى حل تفاوضي.
صحيح أن موسكو غيرت قليلاً زاوية نظرها إلى ما يجري في سوريا، وذلك بدعوتها الائتلاف الوطني المعارض للمشاركة في البحث عن حلول سياسية، بعد أن كانت هاجمته بعنف لحظة ولادته، لكن مواقف موسكو السابقة والحالية دفعت رئيس الائتلاف لرفض الدعوة، وهو هنا أخطأ، لأن الصواب أن يشرح الائتلاف وجهة نظره للمسؤولين الروس، رغم قناعته أن دعمها للأسد يطيل في عمر نظامه، كما أن أصول العمل السياسي، تستدعي من الائتلاف فتح أبواب الحوار مع الجميع، لكسب الاصدقاء وتحييد داعمي النظام، وهو لو كان قبل الدعوة، لسمع في موسكو كلاماً يؤكد أنها لا تنحاز لأي جهة، وأنها ليست الوحيدة التي ترفض التدخل العسكري في سوريا، ولكانت الفرصة متاحة له ليقدم إجابات عن الموقف من مستقبل سوريا، ووضع الأقليات الدينية فيها، إن رحل النظام.
مهمة الإبراهيمي المعقدة، رغم تاريخه السياسي الطويل، والناجح كما يقال، تقف أمام طريق مسدود، ودعوته للقوى الخارجية للمساعدة في الخروج من الأزمة، تتجاوز حقيقة أن السوريين وحدهم هم من يمسك مفاتيح الحل، وأن التدخل الإقليمي، الذي أجج الازمة لم يعد قادراً على إطفاء النيران، كما أن أي حل يسمح باستمرار الاسد رئيساً سيكون عرضة للانتهاك، إذ من يضمن متى ينقلب على الواقع الجديد، ما دامت مفاتيح القوة بيديه، ومن يضمن انصياع قوى الجيش والأمن لأوامر الحكومة الانتقالية، التي يرى فيها الإبراهيمي، الخطوة الأولى للتوصل إلى أرضية مشتركة بين الحكم والمعارضة، في حين يرفض كل منهما أصلاً، الحديث مع الطرف الآخر.
هكذا إذن يعود المبعوث الأممي إلى المربع الأول، إلى مؤتمر جنيف بكل ما في قراراته من غموض، في حين بدأ شرر الازمة يتطاير في كل الجهات، لم تسلم منه العراق ولبنان والأردن وتركيا، وليس مقنعاً أن مسؤولية احتدام الأزمة السورية يقع على عاتق النظام ومعارضيه وحدهما، فقد امتدت الكثير من الأصابع إلى كومة القش السورية وهي تحمل أعواد الثقاب، ولا تحمل غيرها، غير أن المؤكد اليوم، أنه مع نأي القوى الدولية بنفسها عن التدخل، فإن السوريين وحدهم يملكون الحلول لأزمة بلدهم، وأن الإبراهيمي يدور في حلقة مفرغه.
الإبراهيمي.. دوران في الحلقة المفرغة
[post-views]
نشر في: 6 يناير, 2013: 08:00 م