السيناريوهات الأربعة التي رآها رئيس الوزراء مطروحة أمام العملية السياسية هي التقسيم والحرب الأهلية والانتخابات المبكرة والحوار. وكما يجب فقد عبر عن رفضه التقسيم والحرب، داعيا الى التفكير والعمل بالسيناريوهين الآخرَين. أي الانتخابات المبكرة أو الحوار بين فرقاء العملية السياسية. بل ان الحوار كان الخيار المرجح والمفضل في كل تصريحات رجل "دولة القانون" ورفاقه في الكتلة.
لكن حين جاءت لحظة الجد، ودعا رئيس المجلس النيابي الى الحوار، في جلسة برلمانية استثنائية، أعلنت "دولة القانون" مقاطعة الجلسة. وقد انفردت بهذا الموقف بعد أن وافق على عقد الجلسة جميع "الشركاء"، من العراقية والتحالف الكردستاني والتيار الصدري الى المجلس الأعلى. وأسباب المقاطعة مرفوضة، لأنها مهما كانت تمثل في الواقع أسبابا للمشاركة لا المقاطعة. فالمبدأ هو ان الحل السلمي للخلافات السياسية يوجب الحوار.
حتى بالنسبة الى خيار الانتخابات العامة المبكرة، فانه يحتاج هو الآخر الى اتفاق بين أطراف العملية السياسية، ومثل هذا الاتفاق لا ينعقد ويتم من دون حوار. بل ان خيار التقسيم ذاته يحتاج الى حوار، اذ لا يستطيع اي طرف وحده أن يقسِّم البلاد والعباد على كيفه. وحدها الحرب تستبعد الحوار، لأنها تحل كلام القذائف محل كلام الناس. ولكل حرب نهاية. ونهاية عن أخرى تختلف. فبعضها قد ينتهي بإرادة طرف واحد، دون حل حواري جذري، ما يهدد بتجددها. وبعضها ينتهي بتسوية عادلة لا تحمل بذور حرب جديدة. وهناك طريق واحد للوصول الى مثل هذه التسوية، هو أيضا الحوار.
و"الحوار العراقي" ضرورة فوق العادة هذه المرة، لأنه لا يتعلق بأطراف العملية السياسية حصرا، وانما يجاوزها الى الناس، الى مطالب تعبر تعبيرا أصيلا عن آمال ومخاوف مكوِّن كبير في المجتمع، وهم السنة. وهناك تأييد أو تفهم لهذه المطالب من قبل العراقية، التحالف الكردستاني، وجماعات غير قليلة من الشيعة، في مقدمتهم التيار الصدري، فضلا عن النخب الشيعية العلمانية المؤمنة خصوصا بقيمة المساواة أمام القانون. وهذا التأييد أو التفهم الواسع يجعل موضوع "الحوار العراقي" هذه المرة معبرا عن قضية وطنية بامتياز.
انها، علاوة على ذلك، قضية وطنية ساخنة، لأن الاحتجاج المعبر عنه بتظاهرات واعتصامات شمل حتى الآن أربع محافظات، وتقوده نخب من خارج العملية السياسية، من رجال الدين وزعماء القبائل، في دلالة واضحة على تمثيله العمق المجتمعي لطائفة السنة. ولعل هذه الدلالة بالذات هي ما اكسبته بعدا وطنيا، ذلك ان تفهم مظالم هذه الطائفة وسَّع من حجم التعاطف معها ليشمل الكرد وأقساما مهمة من الشيعة.
لذلك تبدو مقاطعة الحوار، أو مقاطعة جلسة البرلمان التي من المفترض أن تنعقد من أجله، موقفا خاطئا وفظيعا. خصوصا وإن المقاطعين يمثلون قوة السلطة، أو الحكومة. الأمر الذي يوسع الهوة بين الحكومة وبين قسم كبير من الشعب. والسؤال البسيط والخطير في هذه الحالة هو: الى أين يعطي هذا القسم الكبير من الشعب وجهه اذا امتنعت الحكومة عن الاشتراك في المناقشة البرلمانية المأمولة لمطالبه؟
أيا كان ما سيترتب على انعقاد الجلسة البرلمانية من عدمه، فإن معمل انتاج المشاكل سيستمر في العمل بأعلى طاقاته، ويؤدي الى أوخم النتائج، طالما تعذر الحوار الوطني الشامل. كما ان المسخرة المريرة باقية ما بقي تناقض "ديمقراطية بلا حوار". ويا له من تناقض مخز في التعبير ومدمر في التنفيذ.
"ديمقراطية" بلا حوار
[post-views]
نشر في: 6 يناير, 2013: 08:00 م
جميع التعليقات 2
سمير طبلة
وبالتالي، فلا بد من الحوار، ليس فقط بين المتصارعين (إقرأ المتحاصّصين/ المتغانمين) وإنما بين كل العراقيين، عبر ممثليهم السياسيين، وليس ممثلي الطائفة اوالاثنيةالمزعومين. وإلا فأبواب الجحيم مشرعة!
سمير طبلة
وبالتالي، فلا بد من الحوار، ليس فقط بين المتصارعين (إقرأ المتحاصّصين/ المتغانمين) وإنما بين كل العراقيين، عبر ممثليهم السياسيين، وليس ممثلي الطائفة اوالاثنيةالمزعومين. وإلا فأبواب الجحيم مشرعة!