تُحسّ بالدهشة وأنت تراقب تطورات الأزمة الأخيرة في البلاد، وتستغرب كثيراً كيف أن التظاهرات التي أريد لها -جماهيرياً على الأقل- أن تعيد أمور العملية السياسية إلى نصابها الحقيقي، بإنقاذنا من فاشليها، لا تفعل شيئاً غير دعم السياسيين ذاتهم. وهكذا وبعد أن كاد السياسيون المشاركون في الحكومة ومن جميع أطيافها أن يفقدوا الأعم الأغلب من حظوظهم الانتخابية، تجدد أمل كل منهم بصيد وفير من الأصوات.
فرئيس مجلس النواب أسامة النجيفي كان يعاني، وإلى وقت قريب، من الحرج الشديد بسبب تخليه عن مواقفه المتشددة مع الكرد والمتعلقة بالمناطق المتنازع عليها، وهي المواقف التي جعلته من أكثر السياسيين حصاداً للأصوات. عليه كانت أزمة الأخوين (النجيفي) مع ناخبيهم أكبر من أن يتمكنا من حلها، لولا الفرج الذي جاءت به تظاهرات الأنبار، وهو فرج أحسن استغلاله رئيس مجلس النواب عندما ذهب إلى الموصل ودعا من هناك إلى الاستجابة لمطالب المتظاهرين، مع أن الجزء الأكبر من هذه المطالب تقع ضمن مسؤولياته. كما أحسن محافظ نينوى أثيل النجيفي صنعا عندما شارك في التظاهرات وعمل على فتح ساحة الأحرار أمام متظاهريها، وهو الرجل الذي وقف قبل أشهر ضد التظاهرات التي حصلت في نينوى بسبب تردي الخدمات هناك.وزير المالية رافع العيساوي هو الآخر كان يعاني من أزمة انتخابية كبيرة، فالإشاعات المتعلقة بتورط حمايته بملفات إرهاب كانت تتداول بكثرة، فضلاً عن اشتراكه في الحكومة وعدم تمكنه من تفعيل أي من مطالب ناخبيه، مع أنه يمسك وزارة المالية. وذاك الاشتراك وهذا العجز جعلاه -كما بقية رفاقه من قادة العراقية- بموقف لا يحسد عليه. والعيساوي هو الآخر أحسن استثمار التظاهرات، بل ها هو الآن يتصدر مع بعض زملائه من العراقية، اللجنة التي تنوي التحدث باسم متظاهريها.
من جهة أخرى نجد أن رئيس الوزراء نوري المالكي الذي كان يعاني من أزمة كبيرة، بسبب سوء الخدمات وعدم تمكنه السيطرة على الملف الأمني، وأيضاً بسبب إثارته الأزمات وسوء إدارته لها وبالخصوص الأزمة الأخيرة مع الإقليم، وجد، أيضاً في التظاهرات وبعض الشعارات الغريبة التي رفعت خلالها وفي خطاب عزت الدوري منفذاً جيداً يستطيع من خلاله لفت الأنظار عن كل ما يهدده بخسارة ناخبيه.
الكلام نفسه ينجر على التيار الصدري والمجلس الأعلى، وبقية الكتل المشاركة في عملية الانتهاز السياسية الجارية في البلاد. الموضوع فعلاً مُدهش، ومحير، أقصد أن تشكل، التظاهرات الجماهيرية التي ينتظر منها أن تستهدف صانعي الخراب، أن تُشكل منفذاً مباغتاً وسريعاً تمكن من خلاله صانعي الخراب أنفسهم من إدامة سيطرتهم على مقدرات البلد من جديد.
الانتهاز السياسي
[post-views]
نشر في: 6 يناير, 2013: 08:00 م
جميع التعليقات 12
علي المحمداوي
عين العقل وقلت ما يجول في خواطرنا استاذ فقد تحولو الى كتل انتهازية وصرت اشك بقوة انهم يفهمون بعضهم دون كلام ودون اتفاق حين يركبون الموجه وينتهزون المشكله لصالحهم ويعلنون رفضهم احدهم للاخر وبشدة وانهم كل واحد يمثل هذا المكون او ذاك ثم حين يفوزون انتخابيا
ابو عبير
انحني إجلالا لما تمكنت من تلخيصه بأقل ما يمكن واوسع ما يتضمن من تصويب راقي . احييك ايها السعدون وأقدر ما تكتبه من غزير بالمعنى وقليل من الكلام. اشكرك كثيرا بعد ان أحييك . عزيزي سعدون. ابو عبير
عراق التحدي
والله هذا الوصف الاكثر واقعيه بين المحللين والكتاب السياسيين منهم من كتب مع ومنهم من كتب ضد والاثنين يحملون اجندات هذا او ذاك الا وصف الشيخ سعدون هو الاقرب للحدث .
مهند الدراجي
الاستاذ الكبير سعدون محسن ...نحتاج عمل كبير ومهم من اجل ان ننشر ثقافة التظاهر الحق الشرعي الدستور التحضري ...لكن ان نخرج تظاهرات تقي وتحمي المفسدين ...هذا الخسران المبين ....خرجت تظاهرات مؤيدين ومنتفعين رئيس السلطة في نفس المكان الذي كان بحيرة من الماء لك
haidernajy
http://www.azzaman.com/?p=6667 http://www.ndi.org/ تحية استاذ سعدون المحترم دقيق كل ما تفضلت به وشكرا لك على توجيه النظر لمثل هذه النقاط التي لا يلتفت لها المثقف العراقي فضلا عن عامة الناس .. ولكني لا اجد أن شعبية السيد المالكي تراجعت او انحسرت وهذا ما يؤ
جعفر حاتم
بعد قرائتي للمقالة اتضح لي اكثر بأن كافة السياسيون العراقيون يعيشون على الاعتراك فعلينا نحن المغلوب على امرهم ان ننبذهم جميعا في الانتخابات القادمة ونبدا بتغييرهم مضت عليهم 10 سنوات ولم نستفد منهم شيءا
علي المحمداوي
عين العقل وقلت ما يجول في خواطرنا استاذ فقد تحولو الى كتل انتهازية وصرت اشك بقوة انهم يفهمون بعضهم دون كلام ودون اتفاق حين يركبون الموجه وينتهزون المشكله لصالحهم ويعلنون رفضهم احدهم للاخر وبشدة وانهم كل واحد يمثل هذا المكون او ذاك ثم حين يفوزون انتخابيا
ابو عبير
انحني إجلالا لما تمكنت من تلخيصه بأقل ما يمكن واوسع ما يتضمن من تصويب راقي . احييك ايها السعدون وأقدر ما تكتبه من غزير بالمعنى وقليل من الكلام. اشكرك كثيرا بعد ان أحييك . عزيزي سعدون. ابو عبير
عراق التحدي
والله هذا الوصف الاكثر واقعيه بين المحللين والكتاب السياسيين منهم من كتب مع ومنهم من كتب ضد والاثنين يحملون اجندات هذا او ذاك الا وصف الشيخ سعدون هو الاقرب للحدث .
مهند الدراجي
الاستاذ الكبير سعدون محسن ...نحتاج عمل كبير ومهم من اجل ان ننشر ثقافة التظاهر الحق الشرعي الدستور التحضري ...لكن ان نخرج تظاهرات تقي وتحمي المفسدين ...هذا الخسران المبين ....خرجت تظاهرات مؤيدين ومنتفعين رئيس السلطة في نفس المكان الذي كان بحيرة من الماء لك
haidernajy
http://www.azzaman.com/?p=6667 http://www.ndi.org/ تحية استاذ سعدون المحترم دقيق كل ما تفضلت به وشكرا لك على توجيه النظر لمثل هذه النقاط التي لا يلتفت لها المثقف العراقي فضلا عن عامة الناس .. ولكني لا اجد أن شعبية السيد المالكي تراجعت او انحسرت وهذا ما يؤ
جعفر حاتم
بعد قرائتي للمقالة اتضح لي اكثر بأن كافة السياسيون العراقيون يعيشون على الاعتراك فعلينا نحن المغلوب على امرهم ان ننبذهم جميعا في الانتخابات القادمة ونبدا بتغييرهم مضت عليهم 10 سنوات ولم نستفد منهم شيءا