اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > مأساة "عمر"

مأساة "عمر"

نشر في: 7 يناير, 2013: 08:00 م

هناك نوع من العمى الانساني يصيب الساسة في بلداننا. خلاصته تركيز الساسة على صراعاتهم ومنافساتهم ومشكلاتهم مع نسيان هموم الناس نسيانا تاما. واذا حدث أن كبرت هموم الناس وتحولت الى مصائب ومآس فإن ذلك يسُّر الساسة ويسعدهم، لأن تلك المصائب والمآسي تصير على أيديهم مادة استثمار مفيدة.

وليس هذا أسوأ ما يحدث في بلد ساسته من هذا النوع. الأسوأ هو تسببهم بتعميم هذا العمى الانساني، هذا الفقدان للإحساس، على الشعب. وهذا يحدث اذا انقسم الشعب، وتمترست كل طائفة أو اثنية فيه خلف خندق أو جدار فاصل بين بعضها البعض. في مثل هذه الحالة لا يعود هناك انسان فرد، وانما مجرد جماعات بشرية. فأنت لا ترى في رجل اسمه "علي" انسانا بشخصية وتجارب وأخلاق وأهواء وتطلعات ومخاوف خاصة به وحده دون غيره. لا تراه في الحالة الطبيعية التي يختلف أو يتميز بموجبها كل انسان عن كل انسان. وانما تراه كشيعي، أو سني، أو كردي.

ان "علي" في هذه الحالة ليس شخصا، ولذلك فإنك لن تراه ولن تحس به. انه الطائفة أو القومية. تتعاطف معه أو تقسو عليه بناء على موقفك من هويته الطائفية أو القومية. والعقل الذي يرى الناس من هذا المنظور مصاب بالعمى الإنساني. انه عقل التعصب الطائفي أو القومي. العقل  المؤمن بالهويات القاتلة.

اليكم هذه الواقعة:

عمر نجم عبودي رزوقي، مواليد 1980، مهنته سائق تاكسي. اعتقل خلال مداهمة ليلية لمنزل اسرته في 12/ 1 / 2011. التهمة 4 ارهاب. طلبوا منه الإعتراف بقتل خمسة أشخاص ووعدوه باطلاق سراحه اذا اعترف. هذا الترغيب لم يأت بنتيجة. أما الترهيب فقد حقق النتيحة المطلوبة. فتحت التعذيب اضطر الى الاعتراف بقتل خمسة أشخاص. ثلاثة منهم اصدقاء أحياء الى يومك لكنهم مهاجرون الى هولندا وسوريا وألمانيا. والإثنان الآخران هما خاله وابن خاله اللذان قتلا في حادث مريع خلال الحرب الطائفية عام 2007.

هذا الشاب، المصاب بالضغط، الذي كسر احد أضلاعه تحت التعذيب، مازال موقوفا في قاعة رقم 2 بسجن ابو غريب بانتظار صدور الحكم عليه. إن مأساته قد لا تنشر في منبر اعلامي شيعي لأنه سني. واذا صادف ان وجدت طريقها الى منبر اعلامي سني، فقد يكون الهدف "سياسيا" أو"طائفيا" لكن ليس انسانيا. وعمر في الحالين لا وجود له. عمر الفرد، الشخص، الانسان يختفي في موقع لأنه ابن طائفة أخرى، ويختفي أيضا حتى اذا ظهر في موقع سني، ذلك انه لن يظهر لشخصه، ولا للظلم الذي لحق به، وانما لتكسب "سياسة" نقطة في الصراع ضد "سياسة" أخرى.

ان مآسي عمر وأمثاله هي التي فجرت احتجاج الرمادي ثم المحافظات الأخرى. وهي مآس سببها المباشر استمرار أجهزة عدالتنا الجنائية في اعتماد نظام الإعتراف بدل نظام الأدلة والبراهين. ونظام الاعتراف مرفوض بل مجَرَّم بمنظور قوانين حقوق الانسان، لأنه يرتكز على التعذيب. وهذا النظام هو ما يجب أن يكون الموضوع ، فمن دونه ما كانت المظالم التي أطلقت الاحتجاج الحالي ممكنة.

لكن العمى الانساني، نتاج التعبئة الطائفية والاستثمار السياسي، من شأنه حرف الاحتجاج عن موضوعه، وبالتالي دفن مآسي عمر وأمثاله. تدفن بتحويلها من قضية انسانية الى قضية صراعات مذهبية وسياسية. وتدفن لأن "الهويات القاتلة" تعمي الناس عن رؤية الناس. وتدفن لأن الانسان الفرد مشطوب أصلا في معادلات العشيرة والطائفة والقومية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 4

  1. smh

    وصف رائع ، وهذا هو مصير العبيداللذين يعبدون الخرافة، متى نتحرر من الخرافه نتحرر من الطائفه

  2. عساكم بخير

    نحن نريدكم هكذا استاذ احمد الحقيقية مهما تكن ولانريد من يزاد الاعلام على الحقيقية لانهم بصريح العبارة اثبتوا فشلهم وعليهم ان يعترفوا اليوم قبل غدا انهم احرقوا البلاد والعباد بساساتهم السذجة التي لاتنم على اي شعور وطني خالص

  3. smh

    وصف رائع ، وهذا هو مصير العبيداللذين يعبدون الخرافة، متى نتحرر من الخرافه نتحرر من الطائفه

  4. عساكم بخير

    نحن نريدكم هكذا استاذ احمد الحقيقية مهما تكن ولانريد من يزاد الاعلام على الحقيقية لانهم بصريح العبارة اثبتوا فشلهم وعليهم ان يعترفوا اليوم قبل غدا انهم احرقوا البلاد والعباد بساساتهم السذجة التي لاتنم على اي شعور وطني خالص

يحدث الآن

وزير الداخلية في الفلوجة للإشراف على نقل المسؤولية الأمنية من الدفاع

أسعار الصرف في بغداد.. سجلت ارتفاعا

إغلاق صالتين للقمار والقبض على ثلاثة متهمين في بغداد

التخطيط تعلن قرب إطلاق العمل بخطة التنمية 2024-2028

طقس العراق صحو مع ارتفاع بدرجات الحرارة خلال الأيام المقبلة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram