يطلق العرب لقب "ابن أبيه" على من يختلفون في نسبه، لهذا سموا الوالي الأموي المغيرة زياد باسم "زياد ابن أبيه". وهذا عكس ما يعنيه العراقيون، حين يطلقون على احد لقب "ابن أبوه" الذي هو عندهم كناية عن الفتى الأصيل والشجاع ذي النجدة.
ذكرني بهذا قارئ كتب لي معلقا على عمودي يوم أمس متهما البرلمانيين الذين اجتمعوا ولم يخرجوا بجملة مفيدة واحدة تنقذ العراق والعراقيين من خطر الانقسامات والتناحرات السياسية التي انتقلت إلى الشارع وصارت تنذر بخطر قد يحرق الأخضر واليابس، لا سمح الله. قال في ما قاله: "يعني ما معقولة ما بيهم (البرلمانيون) واحد أخو أخيته أو ابن أبوه ويوّگف ذوله المتعافين عد حدهم" . تمنيته يسمعني لغنيت له: الما عنده منين يجيب يا خلگ الله.
وإن كانت رسالة هذا القارئ المحروق القلب على بلده وشعبه لا تحمل تحليلا سياسيا لكنها، من وجهة نظري، أدق من كل ما سمعته وأسمعه من أغلب السياسيين والمحللين الذين أراهم تلاميذ صغارا في مدرسة حدس الناس النقي. ذلك الحدس الأقدر على أن يعرفنا "بعض ما هو نحن" بطريقة أكثر صدقا وأعمق غورا، بحسب العالم النفساني المصري يحيى الرخاوي.
العراقيون يقولون عن المنصف، الذي لم يشوّه روحه حب السلطة وكرسيها مثلما شوّه وجهه، انه "ابن أوادم". وأوادم هنا جمع آدم وهو جمع فصيح. وما أحوجنا إلى "ابن الأوادم" في هذا الزمن الأغبر. جاء في كتب التراث أن أبا العيناء، وكان ضريرا، سلم عليه أحد الناس، فلم يعرفه. سأله أبو العيناء: من أنت؟ فأجابه ممازحا: من بني آدم. فتعلق به أبو العيناء وقال له: مرحبا بك، كنت أظن أن هذا النسل قد انقطع.
ويقولون عن الطيب صاحب الخلق الكريم "ابن حلال" و "ابن حمولة" و "ابن نعمة". وأهل بغداد يصفون الوجيه المتحضر والعفيف بـ "ابن نص بغداد".
وإن كان العراقيون يختصرون بحسهم الشعبي صفات الخيرين منهم، فهم لا يبخلون على الأشرار بما يليق وأفعالهم السيئة بأوصاف من نوع آخر. فعلى العكس من "ابن أبوه" أو "ابن الحلال" يقولون عن سيئ الخلق انه "ابن التي" أو "ابن الحرام". وإن زاد في شره وغيّه يزيدونه بوصف "ابن زنا" أو "ابن حيض".
فهذه العراقية هجت هذا النوع المفسد الذي لا ضمير له فيردعه ولا طيبة أصل فتمنعه من أن يغدر بها، لتقول في واحد من أبيات غزل النساء (الدارمي):
لابن زنا ولا حيض دك دكتك هاي
بالبحر لو ذبوك اتنكس الماي
أما أجمل ما سمعته في أمثال البغداديين، الذي أجد فيه عمقا ووضوحا يغنيني عن قول الكثير حين أتطلع بوجوه من صارت رقبة البلاد والعباد تحت رحمتهم، هو قولهم: ابن الطويلة كصر وابن الكصيرة طال.
قال عبود الكرخي:
لا تلمني لو ردت أحمل قهر ولا تعاتبني على فعل الدهر
ما تشوف ابن الطوبلة هالكصر بغتةً،وابن الكصيرة شلون طال!
ابـن أبـوه
[post-views]
نشر في: 9 يناير, 2013: 08:00 م
جميع التعليقات 2
جعفر المزهر
بما انك في هذه المقالة اوليت اهتماما للتراث . اريدك ان تتحفنا وتقول لنا من اتيت باسم المغيرة ولصقته بزياد
جعفر المزهر
بما انك في هذه المقالة اوليت اهتماما للتراث . اريدك ان تتحفنا وتقول لنا من اتيت باسم المغيرة ولصقته بزياد